رام الله | تبدو كرة النار قابلة للتدحرج في الضفة المحتلة مع استمرار جولة التصعيد الجارية، على يد المقاومة في غزة من جهة، والمواجهات الواسعة داخل الأراضي المحتلة عام 1948 من جهة أخرى، رغم محاولات منع أمن السلطة الفلسطينية للمواجهات في جنين ورام الله. وقد استشهد خلال 12 ساعة ثلاثة فلسطينيين في الضفة؛ أولهم عبد الفتاح دراغمة بإطلاق نار من جيش العدو باتجاه مركبته على حاجز «زعترة» جنوب نابلس مساء أول من أمس الثلاثاء. ودراغمة من قرية اللبن الشرقية وهو ضابط في جهاز المخابرات التابع للسلطة، فيما تراجع جيش العدو عن روايته الأولى التي أصدرها حول محاولة تنفيذ عملية في المكان. الشهيد الثاني هو حسين الطيطي الذي ارتقى فجر الثلاثاء برصاص العدو خلال مواجهات مع الشبان حين كان في منزله بمخيم الفوار بالخليل. أما الشهيد الثالث، فهو رشيد محمد أبو عرة من بلدة عقابا وارتقى بالرصاص خلال مواجهات في طوباس فجراً.تدريجياً تتسع رقعة النار والمواجهات ضد العدو ومستوطنيه في الضفة التي سجلت في يوم واحد فقط، الاثنين الماضي، إصابة نحو 200 من بينهم 31 بالرصاص الحي والمطاطي وفق وزارة الصحة. وتفيد إحصائية وصلت «الأخبار» بأن نقاط المواجهات في ذلك اليوم بلغت 39، في ارتفاعٍ لافت عن عدد نقاط المواجهة في اليوم السابق التي بلغت الأحد 12 فقط. اللافت أن جيش العدو فقد مبكراً السيطرة على الشوارع الاستيطانية في الضفة، وما يدل على ذلك بعض أحداث ليلة الأربعاء. ففي قرية الفندق وعزون شرقي قلقيلية، استمر الشبان لساعات بإلقاء الحجارة على مركبات المستوطنين دون حضور جيش العدو إلى المكانين. وعند مدخل بلدة بيتا جنوبي نابلس هاجم عشرات الشبان طريقاً رئيسياً للمستوطنين وأحرقوا نقطة مراقبة فارغة للعدو، كما حطّموا كاميرات المراقبة الإسرائيلية ولم يحضر الجيش إلا في وقت متأخر على غير العادة.
من جانب آخر، شن العدو حملة اعتقالات واسعة في صفوف أسرى محررين وقادة وكوادر من «حماس» فجر أمس الأربعاء. وشملت الحملة اعتقال نحو 50 فلسطينياً ودهم منازل آخرين لم يكونوا فيها. وفق مراقبين، تأتي الحملة استكمالاً لتخوفات إسرائيلية سابقة خلال التحضير للانتخابات الفلسطينية، إضافة إلى إطلاق «حماس» مسيرات حاشدة على مدار أيام في معظم مدن الضفة. وخلال الأيام القليلة الماضية، غضّت أجهزة أمن السلطة الطرف عن مسيرات اتجهت إلى حواجز على مداخل بعض المدن لمواجهة العدو مثل «حوارة» في نابلس، لكنها منعت مسيرات أخرى مثل الاقتراب من مقر المقاطعة، كما هاجم أمن السلطة بزي مدني شباناً في رام الله ومنعهم من التوجه قرب مستوطنة «بيت إيل». وفي جنين أيضاً، هاجم أمن السلطة مسيرة نظّمتها «حماس» وقمعها بقوة أكبر من رام الله، حيث أطلق قنابل الغاز بكثافة صوب الفلسطينيين. أما المسيرات الجماهيرية الأخرى، فجرى تنظيمها كالمعتاد داخل مراكز المدن على صورة تضامن فقط.
التطور اللافت هو ارتفاع عدد الاشتباكات المسلحة وإطلاق النار صوب جيش العدو خلال الاقتحامات الليلية في مناطق مختلفة من الضفة، إذ شهد فجر الأربعاء سبع عمليات إطلاق نار صوب العدو خلال أقل من أربع ساعات، بحسب إحصائية وصلت «الأخبار». وبدأت عمليات إطلاق النار بإطلاق مقاوم واحد الرصاص على قوة إسرائيلية عند مدخل بلدة عناتا شمالي شرقي القدس، ثم إطلاق نار على قوة راجلة داخل بلدة بيت فجار جنوبي بيت لحم وأيضاً في مخيم قلنديا شمال القدس، فيما تعرضت الآليات العسكرية الإسرائيلية لإطلاق نار باتجاهها في بلدتَي جبع واليامون قضاء جنين، وأيضاً في مدينة جنين حيث جرت اشتباكات مباشرة. وقد تركزت الاشتباكات المسلحة الأكبر والأوسع في جنين فجر أمس، إذ أطلق مقاومون النار على آليات جيش العدو بكثافة في أحياء ومناطق بالمدينة. وتُظهر مقاطع فيديو مصورة مقاومين يطلقون النار في الشوارع وسط احتفاء شعبي بهم، في مشاهد وصفها كثيرون بأنها تعيد إلى الأذهان الانتفاضة الثانية في 2000 وما تخللها من تصدي المقاومين لاجتياحات العدو لمدن الضفة وعملية «السور الواقي».
يحتاج حاجز الخوف إلى وقت كي ينكسر لدى الضفيّين أكثر فأكثر


أيضاً يُظهر أحد مقاطع الفيديو في جنين مجموعة مكونة من أربعة مقاومين على الأقل تطلق النار بكثافة صوب آليات العدو، فيما يوثق مقطع آخر مقاوماً يتمركز بوضعية «ركبة ونصف» ويطلق النار بوضع الإطلاق الفردي صوب جيش العدو. واللافت أن الاشتباكات الأخيرة فجر الأربعاء في المدينة توسعت إلى أحياء أخرى وطالت زمنياً حتى ساعات الصباح الأولى وليس فجراً وليلاً فقط. يقول مصدر لـ«الأخبار» إنه في جنين لم تتوقف الاشتباكات خلال أوقات الهدوء النسبي في فلسطين، إذ تشهد المدينة ومخيمها بين شهر وآخر إطلاق نار صوب جيش العدو خلال الاقتحامات والمداهمات الليلية. في هذه الأوساط، تشير التقديرات والأرقام إلى أن الضفة ستشهد تصاعداً وتوسعاً في نطاق المواجهات وعددها مع جيش العدو ومستوطنيه، وهذا يرتبط بمدى تصاعد العدوان وجولة التصعيد في غزة والأحداث في القدس والداخل المحتل. لكن القلق من ملاحقة السلطة والاحتلال المزدوجة يجعل كسر حاجز الخوف عند الجيل الشاب الجديد لا يأتي مرة واحدة بل تدريجياً.
القفزة الكبيرة في عدد نقاط المواجهة بين يومين وعمليات إطلاق النار الأكثر عدداً في ليلة واحدة منذ سنوات الانتفاضة الثانية جاءت نتيجة تصاعد ذروة ضربات المقاومة وصواريخها التي أدت إلى دعم معنوي لجيل الشباب بعكس التوقعات، إذ كان يتوقع بعض الناشطين وأنصار خيار المقاومة أن تتقلص رقعة المواجهات في فلسطين كلها ويندفع المشهد نحو خوض غزة حرباً منفردة، أي أن يدفع دخول السلاح وراجمات الصواريخ على خط النار إلى انحسار موجة الغضب والمواجهة الجماهيرية، لكن هذا التحليل جاء عكس الواقع. ففي الحروب السابقة على غزة، استغرقت الضفة وقتاً أكبر للتفاعل مع الحدث بجماهيرية واسعة بعكس جولة التصعيد الجارية.
وفي وقت متأخر من مساء أمس، أُفيد بإصابة مستوطنَين بالرصاص بإطلاق نار استهدف سيارتهما قرب مستوطنةٍ جنوبي غربي نابلس، شمال الضفة المحتلة، وقد أعلن استشهاد منفذ العملية من دون تفاصيل وافية عن حالة المستوطنَين اللذين يبدو أنهما تلقّيا الرصاص بصورة مباشرة. كما أفيد في معلومات أولية بأن منفذ هذه العملية يعمل في أمن السلطة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا