لم يكن منظراً مألوفاً ذاك الذي حصل أخيراً في «استاد ويمبلي» في لندن. في نهاية مباراة بطولة كأس الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم، قام لاعبان من الفريق الفائز، «ليستر سيتي»، برفع علم فلسطين في ما بينهما والطواف به في الملعب أمام ناظرَي الأمير ويليام، وليّ العهد البريطاني المقبل. و«استاد ويمبلي» له رمزيّة في بريطانيا كونه الوحيد الذي تمتلكه الدولة، خلافاً لبقية الملاعب التابعة للأندية. وهو بالتالي يُعتبر الاستاد «الوطني» الذي شهد تتويج منتخب إنكلترا بكأس العالم عام 1966. جرأة اللاعبين حمزة تشودري وويسلي فوفانا، وهما من أصول إسلامية، دفعت الجهات الصديقة لإسرائيل إلى التدخل بعدما شعرت بالحرج وبالخطر من ظاهرة انتشار تأييد الفلسطينيين في أوساط الرياضيين المشهورين. قامت منظمة «العمل ضد التمييز» بتقديم شكوى إلى اتحاد الكرة وإلى نادي «ليستر» وطالبت باتخاذ إجراءات عقابية بحق اللاعبين ومنع تكرار ذلك. ولكنّ اتحاد الكرة رفض الطلب وأصرّ على أنّ من حق اللاعبين التعبير عن آرائهم ورفع الأعلام الوطنية وتبنّي القضية الفلسطينية. وكذلك، لم يكترث نادي «ليستر سيتي» بالشكوى بل تابع مواقفه المميزة تجاه الاعتداءات الإسرائيلية في فلسطين فتجمّع أنصاره ومشجعوه في قلب مدينة ليستر ذاتها في مهرجان امتلأ بالأعلام والكوفيات الفلسطينية. وسرعان ما انتقلت عدوى رفع العلم الفلسطيني إلى أكبر ملاعب إنكلترا، «أولد ترافورد» التابع لأكبر أنديتها، «مانشستر يونايتد». بعد ثلاثة أيام من حادثة «استاد ويمبلي»، قام اللاعبان بوغبا وديالو، برفع علم فلسطين والطواف به أمام أنظار عشرة آلاف مشجع سمحت لهم الحكومة بالحضور بعد تخفيف إجراءات مواجهة فيروس كورونا. وهنا أيضاً لم يتدخل مسؤولو اتحاد الكرة الإنكليزي ولا إدارة النادي، ومرّت الحادثة اللافتة من دون تعكير. وأثنى المدير الفني لـ «مانشستر يونايتد» سولشيار، على موقف اتحاد الكرة ودافع عن حق لاعبيه في الاهتمام بقضايا غير كروية.وفي اسكتلنده أيضاً، قامت جماهير نادي «سيلتيك»، بملء مدرجات النادي في غلاسكو بالأعلام والكوفيات الفلسطينية في تعبير متجدد عن مواقفها المؤيدة للقضية الفلسطينية.
وفي أوساط لاعبي الدوري الإنكليزي، وهو الدوري الأقوى والأكثر انتشاراً في العالم، تتالت إعلانات التضامن والتأييد لفلسطين والقدس من قبل لاعبي أكبر الأندية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فمن نادي «مانشستر سيتي»، بطل الدوري، قام كل من رياض محرز الجزائري وبنجامين مندي من ساحل العاج بتنزيل صور وأعلام وعبارات مؤيدة بقوة للشعب الفلسطيني. وكذلك فعل كل من ساديو ماني السنغالي ومحمد صلاح المصري من نادي «ليفربول»، وأيضاً أشرف حكيمي المغربي من «تشيلسي»، ومحمد النني المصري من «آرسنال»، وسيونجو التركي من نادي «إيفرتون». وحده نادي «توتنهام» من بين الفرق الكبيرة في إنكلترا لم يصدر من لاعبيه تأييد ملحوظ لفلسطين، ولا غرابة في ذلك. فالنادي هو تقليدياً نادي الجالية اليهودية في لندن وعموم إنكلترا ومعروف بارتباطاته الصهيونية القوية. ومن بين اللاعبين الذين عبّروا علناً عن مشاعرهم المؤيدة لفلسطين، فإن محمد النني هو فقط من تعرض إلى ضغط من ناديه للتخفيف من موقفه أو عدم تكراره. فقد أعلنت إدارة نادي «آرسنال» أنّها «ستتحدث» إلى لاعبها المصري بشأن منشوره بعدما تقدمت إحدى الجهات الراعية للنادي وهي شركة منتجة للقهوة Lavazza (ذات الملكية والإدارة الصهيونية على ما يبدو) بشكوى إلى النادي بشأنه.
ولّى زمن تأييد دولة الاحتلال الإسرائيلي في أوساط الشخصيات المرموقة في بريطانيا من مثقفين وفنانين ورياضيين وأكاديميين، وانتهى. لم يعد أحدٌ يطيق الاحتلال أو يقبله إلا عتاة الصهاينة أو بعض أصحاب المصالح من سياسيين ورجال أعمال. تتراجع مكانة إسرائيل في بريطانيا بسرعة وتسير في الطريق ذاته الذي سار عليه نظام بيتر بوتا والأبارثايد في جنوب أفريقيا.
* كاتب وباحث من الأردن



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا