غزة | أظهرت المقاومة الفلسطينية، خلال معركة «سيف القدس»، تطوّراً واضحاً في أدواتها العسكرية، التي استَخدمت جزءاً منها لأوّل مرّة على مستوى الصواريخ والمُسيّرات الجوّية والبحرية، فيما لا تزال تتمسّك باستراتيجية التحفّظ عن كشف حجم التطوّر الذي بلغته، إذ لم تُمِط اللثام، إلى الآن، سوى عن جزء بسيط من قدراتها النوعية. ومنذ أكثر من عشر سنوات، تُواصل المقاومة اتّباع تلك الاستراتيجية، فضلاً عن الإحجام عن استخدام ما في يدها من سلاح نوعي إلى حين الحصول على سلاح أكثر تطوّراً منه. وفي المعركة الأخيرة، كشفت المقاومة عن عدّة طرازات من الصواريخ الجديدة التي كان بعضها موجوداً منذ سنوات، فيما بعضها الآخر لم تستخدمه إبّان مواجهة عام 2014. فعلى مستوى مَدَيات الصواريخ، كانت المقاومة، في العام المذكور، تمتلك صواريخ يمكنها أن تتجاوز في مدياتها 160 كيلومتراً، إلا أنها لم تستخدم سوى بعض منها كورقة ضغط على الاحتلال، تجلّت، مثلاً، في قصف مدينة حيفا بعدّة صواريخ من طراز «R160». أمّا خلال معركة «سيف القدس»، فاستخدمت صاروخاً واحداً من طراز «عياش 250»، كرسالة إلى العدو وجزء من تكتيكات إدارة المواجهة، وهو ما لم تكن لتلجأ إليه إلّا بعد محاولة الكيان العبري الالتفاف على إرادتها وقف رحلات الطيران منه وإليه أثناء القتال.
وجرت العادة أن لا تعلن المقاومة أو تطلق أيّ نوع جديد من الصواريخ قبل تدشين خطوط إنتاج لها، وملء الخزينة العسكرية بأعداد كافية منها، توازياً مع تواصُل التجارب الميدانية لتطوير دقّتها وحجم المواد المتفجّرة التي تحملها. ومن هنا، أعلنت المقاومة خلال معركة «سيف القدس» أن جميع الصواريخ التي استخدمتها هي من النوع القديم، فيما لم يتمّ استخدام الأسلحة الجديدة، الأمر الذي يعني وجود صواريخ أكثر تطوّراً وقدرة على تجاوز القبة الحديدية التي لا تستطيع إسقاط الصواريخ الدقيقة التي لا تُطلَق بشكل قوسي. وممّا يشير إلى أن المقاومة لا يزال في جعبتها الكثير لتُفاجئ به العدو، ما كشف عنه قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني، علي حاجي زادة، مطلع العام الجاري، من أن «الفلسطينيين باتوا يمتلكون تكنولوجيا صناعة الصواريخ الدقيقة».
على عكس ما يعتقده الكثير من الإسرائيليين، فإن هذه الأسلحة لا تُنتَج بوسائل بدائية


هذا الواقع دفع محلّلين إسرائيليين، من بينهم المحلّل العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل، إلى الاعتراف بأن صواريخ المقاومة مثّلت إنجازاً نال اعتراف المتخصّصين على الجانب الإسرائيلي. وأشار هارئيل إلى أن حركتَي «حماس»، و«الجهاد الإسلامي» بدرجة أقلّ، نجحتا في تطوير صناعة عسكرية محلية في قطاع غزة، على رغم إغلاق مصر - بدفع من إسرائيل - حدودها مع القطاع بشكل شبه كامل. وعلى عكس ما يعتقده الكثير من الإسرائيليين، فإن هذه الأسلحة لا تُنتَج بوسائل بدائية، بل إن هناك خطّة منظّمة لإنتاجها، وكثير منها يأتي بالفعل من خطوط التجميع، بحسب المحلّل الإسرائيلي، الذي يَنقل عن رجل يعمل في الميدان منذ سنوات قوله إن «هذا ليس عدواً يُستهان به، إنهم لا يقلّون خطورة عن مُطوّري الأسلحة في إيران أو حزب الله، وإن كانوا يعملون في ظروف أكثر صعوبة بكثير».
واستخدمت المقاومة، خلال معركة «سيف القدس»، للمرّة الأولى، مُسيّرات جوّية وبحرية جديدة، من بينها طرازان جديدان من الطائرات الاستطلاعية والانتحارية (الزواري الاستطلاعية، وشهاب الانتحارية)، فيما لم يُكشف عن حجم التطوّر الذي بلغته طائرات «أبايبل» التي استُخدمت في حرب 2014، إذ لم تُستخدم أيّ منها خلال المواجهة الأخيرة، الأمر الذي يشير إلى تطوير كبير أُدخل عليها، لم يتمّ إعلانه من قِبَل المقاومة. ولأوّل مرّة أيضاً، استخدمت المقاومة، في الجولة المنتهية حديثاً، غوّاصات مسيّرة عن بعد لضرب أهداف بحرية للاحتلال. وعلى رغم أن العدو أعلن إحباطه لعمليات تلك الغواصات، إلا أن المقاومة لم تعلن عنها بشكل رسمي، ما يشير إلى أن هذه الأسلحة كانت في مرحلة التجريب، وأنها ستدخل الخدمة خلال المعارك المقبلة.