غزة | بعد سنوات من تراجع السلطة الفلسطينية وتهمّش دورها، يعود الحديث ليتجدَّد عن إعادة إحيائها، بهدف إطلاق عملية تفاوضية جديدة بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال برعاية أميركية، في وقت يتدهور فيه مستوى تأييد حركة «فتح» والسلطة، بحسب أحدث استطلاعات الرأي، إلى أدنى مستوياته التاريخية، في مقابل ارتفاع نسبة تأييد المقاومة في الشارع الفلسطيني، إلى الثلثين. وبعد أشهر من تسلُّم إدارة جو بايدن مهمّاتها، وتشكُّل حكومة جديدة في إسرائيل برئاسة نفتالي بينت، انبعث الأمل لدى قادة السلطة، وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس، بعودة المفاوضات، كاستحقاق أميركي ــــ إسرائيلي ــــ عربي لمواجهة برنامج المقاومة على الساحة الفلسطينية.وفي هذا الإطار، أفادت مصادر في السلطة الفلسطينية بأن قيادة رام الله وجدت في المعركة الأخيرة منفذاً للوصول إلى البيت الأبيض، لطرح فكرة العودة إلى مفاوضات «السلام». وهي فكرةٌ تعزّزت أخيراً في ضوء تشكُّل حكومة جديدة في كيان الاحتلال، يرى جزء كبير من الأحزاب المكوِّنة لها، ولا سيما اليسارية، ضرورة التقاط فرصة استئناف المفاوضات لإضعاف برنامج المقاومة. إزاء ذلك، لاقى طرحُ السلطة بضرورة تقويتها في الضفة الغربية المحتلّة، والضغط على حركة «حماس» لتسليم مقاليد الأمور في قطاع غزة لحكومة تلتزم ببرنامج «منظمة التحرير» وتحظى بمقبوليّة من جانب المجتمع الدولي، قبولاً ودفعاً عربيين، وخاصة من قِبَل كلّ من مصر والأردن اللتين عرضتا على إدارة بايدن تبنّى هذا الاتجاه لمنع انهيار السلطة، وسيطرة «حماس» على القرار الفلسطيني. وهو ما ناقشه الرئيس عبد الفتاح السيسي مع نظيره الأميركي، أخيراً، حيث جرى الاتفاق على دعم الفكرة بعد تولي حكومة بينت مهمّاتها، وانتهاء دور حكومة بنيامين نتنياهو التي أرادت أن تُبقي دور السلطة وظيفياً وأمنياً فقط، وأن لا يكون لها أيّ تأثير سياسي.
وكشفت المصادر، لـ«الأخبار»، أن مصر والولايات المتحدة أبلغتا السلطة أن الإدارة الأميركية ستعمد، خلال الأسابيع المقبلة، إلى اقتراح مباحثات استكشافية للمواقف الإسرائيلية والفلسطينية، يُفترض أن تُفعِّل ملف التفاوض من جديد، وهو السبب الذي دفع عباس إلى إعادة ترتيب ملفّ المفاوضات عبر التجهيز لتعيين مسؤول جديد، خلفاً للراحل صائب عريقات. وفي الأسبوع الماضي، ناقش عباس قضيّة استئناف المفاوضات، خلال رئاسته اجتماع اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير الفلسطينية» في رام الله، وطلب من اللجنة التحضير لإجراء انتخابات لتعيين شخصيتَيْن بديلتَين من صائب عريقات الذي توفي قبل أشهر، وحنان عشراوي التي قدَّمت استقالتها. وتبدو حركة «فتح»، وفق المصادر، عازمة على الدفع بشخصيتين تابعتين لها لهذين المنصبين، يبدو أن هناك إجماعاً وموافقة من قِبَل عباس على أن يكون من بينهما حسين الشيخ ليحلّ محلّ عريقات في ملف المفاوضات، فيما لم يُحسم بعد الخيار بين ماجد فرج ورياض المالكي، لتولّي المنصب الثاني. وأشارت المصادر إلى أن القاهرة وواشنطن تدفعان، بوضوح، في اتجاه عودة المفاوضات، استجابةً لرسائل السلطة التي تفيد بأن وضعها بات حرجاً، وبأن استمرار السياسات السابقة تجاهها من قِبَل البيت الأبيض ودولة الاحتلال، سيؤدّي إلى تراجع مكانتها، في موازاة سيطرة «حماس» على القيادة الفلسطينية.
أُبلغت السلطة بأن إدارة بايدن ستعمد إلى اقتراح مباحثات استكشافية للمواقف الإسرائيلية والفلسطينية


وأجرى وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أمس، اتصالاً بنظيره الإسرائيلي، يائير لابيد، دعاه في خلاله إلى ضرورة تحريك الجمود الحالي بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وصولاً إلى إطلاق عملية تفاوضية شاملة، على نحوٍ يضمن تدعيم ركائز الاستقرار في المنطقة، بحسب بيان وزارة الخارجية المصرية. وفي الإطار نفسه، قالت المصادر إن وفداً من حركة «فتح» سيصل إلى القاهرة، الأسبوع المقبل، لبحث ملف السلام مع المسؤولين المصريين، وذلك في ضوء الحديث عن مباحثات إسرائيلية ــــ مصرية أخيرة بهذا الخصوص. وكانت «القناة 12» العبرية قد نقلت عن مصادر في السلطة قولها إن الأخيرة ستطالب، خلال محادثاتها مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بالعودة إلى الوضع الذي كان قائماً في الضفة المحتلّة قبل الانتفاضة الفلسطينية الثانية، بما يشمل وقف اقتحامات الجيش الإسرائيلي للمناطق أو توسيع دور السلطة في المنطقتين ب وج، وخصوصاً في القضايا الأمنية. من جهته، أعلن وزير الأمن الإسرائيلي، بني غانتس، خلال محادثات مع مسؤولين في الإدارة الأميركية، بينهم وزير الدفاع، لويد أوستن، أنه سيعمل «من أجل تعزيز السلطة الفلسطينية والجهات المعتدلة في المنطقة». لكن العديد من العقبات تعترض العودة إلى مفاوضات «السلام» مع العدوّ، أبرزها تدنّي شعبية السلطة الفلسطينية والرئيس عباس لمصلحة المقاومة الفلسطينية. وفي هذا السياق، أظهر استطلاع للرأي أجراه «المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية»، أن 77% من الفلسطينيين يرون أن حركة «حماس» انتصرت خلال المواجهة الأخيرة، فيما ترفض الغالبية العظمى قرار السلطة تأجيل الانتخابات، ويطالب 70% من الجمهور بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية رغماً عن إسرائيل. وتقول الغالبية إن «حماس» تُعدّ الأكثر جدارة بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني، في مقابل 14% أيّدوا السلطة برئاسة محمود عباس.
وفي الإطار نفسه، كشفت مصادر قيادية في «حماس» أن الأخيرة لن تعطي تفويضاً لأيّ تحرك من قِبَل السلطة بخصوص عودة مباحثات «السلام» مع دولة الاحتلال، مؤكدة أنها ستعمل على مواجهة هذا التحرّك لمخالفته رأي غالبية الفلسطينيين، وطالما لم يعمَد عباس إلى تنفيذ إجراءات المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني و«منظمة التحرير»، وإنهاء حالة التفرُّد في القرار الفلسطيني. وأشار المصدر إلى أن موقف السلطة ضعيف في هذا الملفّ، وأن الحركة، ومعها جميع فصائل المقاومة، تعارض مثل هذه الخطوة التي يجب أن تسبقها خطوات داخلية، مؤكداً أن التعويل على تعاطي حكومة الاحتلال الجديدة مع هذا الملفّ لا يمكن أن يلاقي نجاحاً طالما أن غالبية الفلسطينين لا يوافقون عليه.