استشهدت مساء السبت الماضي، الطفلة الفلسطينية نهال كسّاب (9 سنوات) في مخيّم البداوي شمال لبنان برصاصٍ «طائش»، إثر اشتباك بين مجموعات مسلّحة تُرجَّح أسبابه إلى خلاف بين تجّار مخدّرات. وتشكّل هذه الحادثة حلقة جديدة من سلسلة ضحايا الانفلات الأمني داخل المخيّمات الفلسطينية في لبنان، وهي ظاهرةٌ باتت تحصد عدداً من الضحايا والجرحى على يد مسلّحين وتجّار مخدّرات. وكما في كلّ واقعة، تخرج ردود الفعل الشعبية الغاضبة لمطالبة الفصائل بتحمّل مسؤولياتها ومحاسبة القتلة، وخاصةً أنّ معظم الاشتباكات يشارك فيها أشخاص محسوبون على الفصائل ويضربون بسيفها. ومع برود الدم، يتدحرج الغضب نحو نقاش جدوى السلاح في المخيّمات، وخصوصاً مع ارتفاع بعض الأصوات المطالبة بنزع السلاح. فهل هذا هو الحل؟
بدايةً، لا بدّ أن ننطلق من تعريف سريع للمصطلحات، كي لا ننسى ترابط الأحداث. مسألة نزع السلاح الفلسطيني هي جزءٌ من القرار الأممي الرقم 1559، والذي يعتبر تلخيصاً للأهداف الأميركية ـــ الإسرائيلية في لبنان. والمسألة ذاتها كانت قد طُرِحت بقوّة خلال جلسات الحوار اللبناني عام 2006، مع إصرار فريق 14 آذار (الموالي لأميركا) على حسم الموضوع ونزع السلاح الفلسطيني. بالنسبة إلى الفريق الأميركي وحلفائه، نزع سلاح المخيمات هدفُه حصر قضيّة اللاجئين الفلسطينيين ببُعدها الإنساني. وهذا الحصر سيفضي حُكماً إلى أحد حلّين: إمّا الهجرة أو التوطين (أو مشروع متكامل يشمل الاثنين معاً كما جاء في «صفقة القرن»). بالتالي، فإنّ الهدف الأميركي (والإسرائيلي ضمناً) من مسألة نزع سلاح المخيّمات لا يتعلّق بردّ خطرٍ وجوديّ على الكيان ولا بتحقيق الأمان للشعب الفلسطيني، بل هو هدفٌ هجوميّ يُراد منه التسريع في القضاء على ملفّ اللاجئين. وعلى الصعيد الفلسطيني، فإنّ تسريع إنهاء ملف اللاجئين يشكّل باب «ارتزاق» مادّي للعديد من السماسرة، بينهم محامون، سواء كانوا أفراداً أو جهات مدعومة من القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، وأنظمة خليجية ظهر دورها في تسهيل تهريب الشباب الفلسطيني من المخيمات.

في المقابل، تبرز الخشية من قضية السلاح نتيجة الانفلات الأمني القائم والمستمرّ والقابل للتحريك من قبل جهات استخباراتية منتشرة في المخيمات. من هنا، تخرج بعض الأصوات لتطرح علامات استفهام حول جدوى السلاح في الوضع القائم. فساحة الاشتباك الفعلي مع العدوّ تغيّرت، ومعطيات الميدان الجديدة تنفي الحاجة إلى اعتبار المخيمات الفلسطينية خط مواجهة أوّل معه. أقصى ما يمكن أن تشكّله المخيمات اليوم هو خط دفاع خلفي جاهز للدفاع في حالات الطوارئ المستبعدة حالياً. إلّا أن النقد الرئيسي لمسألة حمل السلاح تنطلق من التناقض الكبير بين غايته النظرية وبين مشروع حامله؛ فمنظمة التحرير الفلسطينية، على رأسها حركة فتح، قد تخلّت عن مشروع تحرير فلسطين بحسب ما هو وارد في اتفاقيات أوسلو وما تبعها. حتى إنّ زعيم هذه المنظومة والمتحكّم بقرارها، محمود عبّاس، أعلن في أكثر من مناسبة أنّ مسألة عودة اللاجئين «غير واقعية» وليست من أهداف الحركة (والمنظمة). هذا التناقض يعبّر عن جوهر المشكلة الفلسطينية القائمة في الشتات، ألا وهي غياب المشروع الوطني التحرّري. هذا الغياب يجعل من السلاح مجرّد أداة بسط نفوذ لزعامات محليّة داخل المخيّمات، بالإضافة إلى وسيلة تأمين العلاقة الزبائنية بين الزعيم المحلّي واللاجئ. وشبكة العلاقات الزبائنية، في ظلّ غياب أي شكل من أشكال الرعاية والتخطيط الاجتماعي، تفتح الباب أمام انتشار آفات اجتماعية كظاهرة «الفتوّات» وتجارة المخدرات وغيرها. هنا، يلتقي غياب المشروع الوطني مع الأزمات التي يولّدها السلاح لتشكيل حالة من الضبابية حول جدوى السلاح.

ختاماً، مع دخول المشهد الفلسطيني مرحلة حاسمة إثر معركة «سيف القدس»، تزداد الأصوات المطالِبة بتشكيل مشروع وطني فلسطيني مقاوم هدفه التحرير الكامل وتحقيق العودة، وهو المشروع القادر على استعادة دور الشتات الفلسطيني بالتكامل مع باقي ساحات المواجهة مع العدوّ. قد يبدو هذا الطرح فضفاضاً على مسألة ضيّقة كالسلاح المتفلّت، لكنّ جوهر الأزمة بطبيعته يفرض حلولاً جذرية على الصعيدَين السياسي والاجتماعي.