ينتظر المنطقةَ تصعيدٌ أمني يتعذّر من الآن تحديد مستواه والمدى الذي يمكن أن يصل إليه. لكنّ الواضح، حتى الساعة، أن إسرائيل ومَن معها مصرّون على منْع إيران من استخدام الساحة البحرية للردّ على اعتداءات إسرائيلية في ساحات أخرى، فيما تشير التقديرات إلى أن طهران، من جهتها، إن صحّ أنها هي التي تستهدف السفن الإسرائيلية، غير معنيّة بالتراجع عن هدف ردع تل أبيب عبر تدفيعها ثمن اعتداءاتها. على أن ما يسبق التصعيد المتوقّع من مواقف وتهديدات واستعراضات، يتجاوز مجرّد كونه تحضيراً لردّ تناسبي على ما قيل إنه هجوم إيراني استهدف سفينة بملكية إسرائيلية، في خليج عمان، الأسبوع الماضي. فمن ناحية إسرائيل، يغلب على تصريحات مسؤوليها الإفراط في إطلاق التهديدات، التي يبدو أنها غير متعلّقة بردّ موضعي يتمّ التحضير له فحسب، بل وأيضاً بمرحلة ما بعد الردّ، ما يشير إلى أن مسار تثبيت معادلات جديدة، أو في المقابل مسار منْع تثبيتها، لا يزال طويلاً ودونه عقبات أمام الجانبين، ويتعذّر من الآن تحديد نتيجته النهائية.في المقاربة الإسرائيلية المعلَنة، تشديد على وجود مسارَين اثنين تعمل عليهما تل أبيب، أوحى رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينت، بأنهما متوازيان: الأوّل، العمل على تحريض «الأسرة الدولية» (واشنطن) على الردّ، وإن شدّد بينت على أنهم في إسرائيل «يعرفون كيف يعملون لوحدهم»؛ والثاني الترتيب لردّ إسرائيلي لم يحدَّد مستواه ومكانه. إلا أن حديث بينت، على رغم ما ورد فيه من تهديدات ومن تفاصيل، يبقى حمّال أوجه: فهل أراد الإشارة إلى أن ردّ أميركا، ضمن مسمّيات دولية مختلفة، بات جاهزاً، وهو على وشك التنفيذ، وأن إسرائيل هي التي حرّكته وحرّضت عليه، أم يريد القول إن تل أبيب تسعى إلى حمل الولايات المتحدة على تنفيذ عمل بمستوى يكون رادعاً لإيران، وهو ما يدفعه إلى التهديد بالعمل الخاص به، الذي يدرك، والأميركيين، أن الردّ الإيراني المضادّ عليه سيكون حتمياً، ومسبّباً لتصعيد لاحق بمستويات أعلى؟ كيفما اتفق، يبدو أن التهديدات الإسرائيلية تلقى أذناً صاغية في واشنطن، التي تَظهر بدورها معنيّة بمنْع طهران من استخدام الساحة البحرية في حربها ضدّ أعدائها، لكنها معنيّة أيضاً، في المقابل، بأن لا يتسبّب ردّها، أو الردّ الذي تقوده، بتصعيد مباشر وخاص وبها هي، مع الجانب الإيراني.
لا تحبّذ الولايات المتحدة أيّ ردّ يمكن أن يفضي إلى ردّ مقابل أو إلى سلسلة ردود


وعلى هذه الخلفية، يمكن تفسير المواقف الصادرة عن واشنطن، وتلك الصادرة عن حلفائها غرباً: إذ ثمّة إشارات إلى توثّب لردّ وشيك على إيران، ولكن في الوقت نفسه إشارات موازية إلى استمرار اهتمام واشنطن بإعادة إحياء الاتفاق النووي. وعليه، يمكن القول إن الولايات المتحدة لا تحبّذ أيّ عمل يمكن أن يفضي إلى ردّ مقابل أو إلى سلسلة ردود، تطيح في طريقها الرهان والمصلحة الأميركيَّين الثابتَين في إعادة إيران إلى الالتزام بالاتفاق النووي. إلى أين يمكن أن يصل مخاض هذين المسارين؟ يتعذّر من الآن تحديد النتيجة، لكن في هذه المرحلة الأكثر خطورة وحساسية بين الجانبين، تبدو الأمور مفتوحة على احتمالات تصعيد، أكثر من احتمالات احتواء. وفي هذا الإطار، يندرج تأكيد مصادر بحرية بريطانية وجود عملية «خطف» لإحدى السفن قبالة السواحل الإماراتية، قبل أن يعود «الخاطفون» ويتركوا السفينة لاحقاً، وكذلك الحديث عن هجمات سيبرانية أدت إلى فقدان السيطرة والتحكّم بأربع سفن مختلفة في الخليج، سرعان ما جرى ربطها، بشكل غير مباشر، بالجانب الإيراني. وسواءً كانت هذه الحوادث مختلقة، أو جرى تحريفها وتضخيمها، فالظاهر أنها ستكون مقدّمة لعمل ما في مواجهة إيران. أمّا إن كان نسبها إلى طهران صحيحاً، فيكون الفعل الإيراني من الأفعال الدفاعية المسبقة، التي تستهدف إفهام الطرف الآخر أن الردّ على الردّ الذي تهدّد إسرائيل وحلفاؤها به، سيكون حاسماً وبمستويات عالية، و»هاكُم عيّنة مسبقة منه».
في هذا الوقت، وضمن المسعى التحريضي المعلَن في تل أبيب ضدّ طهران، والذي يشير في الموازاة إلى إقرار غير مباشر بفشل إسرائيل في مواجهة القدرة النووية الإيرانية، حذّر وزير الأمن، بيني غانتس، من أن إيران ستتمكّن بعد عشرة أسابيع من جمع كمية من المواد الانشطارية، التي تخوّلها تطوير أسلحة نووية، موضحاً أن كلامه هذا موجّه إلى الولايات المتحدة لتحذيرها من أن إيران باتت قريبة أكثر من أيّ وقت مضى من تطوير هذه الأسلحة، خلال فترة تتراوح من شهرين إلى نصف عام، بحسب التقديرات الإسرائيلية. وتحدث غانتس عن أن القيادي في الحرس الثوري الإيراني، سعيد أرَجاني، هو المسؤول عن الهجوم على السفينة في بحر عُمان، بصفته قائد عمليات الطائرات المسيّرة المفخخة في الحرس الثوري. وأضاف أن أرجاني مسؤول عن عشرات الهجمات البحرية وبالصواريخ في منطقة الشرق الأوسط.
وفي إيجاز أمام مجموعة من السفراء الأجانب المعتمدين لدى إسرائيل، دعا غانتس، ووزير الخارجية يائير لابيد، إلى فرض عقوبات اقتصادية على طهران بسبب مسؤوليتها عن الهجوم. واعتبرا أن ما حصل لا يعدّ تعبيراً عن صراع محلي أو ثنائي، بل «هجوم على العالم، وعلى العالم أن يردّ. ويمكن أن يحصل هذا الأمر فقط بواسطة توجّه موحّد وشجاع من جانب المجتمع الدولي، ومن خلال مجلس الأمن الدولي وأطر أخرى تعمل على تحميل إيران مسؤولية عملياتها العدوانية».