يبدأ مسلسل تعذيب الأسرى منذ اللحظة الأولى لاعتقالهم
ولا تختلف ظروف التحقيق بين أسير وآخر كثيراً، إذ إن البروتوكول واحد، وهو ينصّ على ضرورة إجبار الأسير على توقيع لائحة الاتهام، والإدلاء بتفاصيل كثيرة عن رفاقه أو معلومات عن أشخاص في محيط سكنه. وفي الأغلب، يتجاوز كثير من الأسرى مرحلة التعذيب الجسدي، وخصوصاً المقاومين منهم، ليبدأ المحقّقون معهم مسلسل الإنهاك، من خلال وسائل تقليدية مِن مِثل الحرمان من النوم والطعام والشراب لأيام متتالية، أو الشبْح وقوفاً أو تعليقاً، أو التقييد بالسلاسل الحديدية على الكرسيّ لأيّام أو لأسابيع. يقول أبو جلالة الذي ألّف كتاباً وكَتب مسلسلات إذاعية وثّقت تجربة السجن: «في نهاية المطاف، وبعد أسابيع التحقيق الطويلة أو شهوره المتتالية، يلجأ الاحتلال إلى أساليب غير تقليدية لانتزاع الاعترافات، أكثرها ما يكون نفسياً، ومنها محاولات الإسقاط والإغراء بالمال والنساء، أو التهديد بهدم منزل العائلة، أو قتل الوالدين».
بالنسبة إلى صاحب مسلسل «الخال» الذي كان يعمل حكيماً قبل اعتقاله مطلع التسعينيات، وقد شارف على إنهاء دراسته العليا يوم تنفيذه لعمليته الفدائية، فإن ممارسات الاحتلال تجاه الأسرى في السجون، تهدف إلى تدمير إنسانيتهم، وتحطيم روح الرفض لديهم، وهو الأمر الذي يدركه الأسرى جيداً، ما يدفعهم إلى مواجهته، عبر استغلال سنوات الأسر الطويلة في تنمية المعرفة والاطّلاع والثقافة، إلى جانب الاهتمام بالصحة الجسدية والروحية. يشرح الرجل الذي أضحى متخصّصاً في الشأن الإسرائيلي بعد خروجه من الأسر: «كنّا نُعبّئ عبوات المياه البلاستيكية بالملح، ونلعب بها كرة القدم في وقت الفورة، يومها رآنا الضابط الإسرائيلي وأمر بسحب العبوات البلاستيكية منّا، ولمّا سألنا عن السبب، قال بلغة مستعلية، نريدكم ضعفاء، وعالة على مجتمعاتكم حين تخرجون، يجب أن ينهك السجن أجسادكم لا أن يبنيها». لكن فشل السياسة الإسرائيلية في تدمير الأسرى عقب خروجهم، يثبته الدور الذي أدّاه محرَّرو صفقة «وفاء الأحرار» الذين أضحوا قادة لأحزابهم، وصانعي قرار في فصائل المقاومة، أو خبراء في الشأن الإسرائيلي ومحاضرين في الجامعات الفلسطينية.