لم تكن الأسيرة إسراء الجعابيص تعلم أن مشوارها الاعتيادي من مدينة أريحا إلى عملها، سينتهي بها إلى الأسر، وهي مصابة بحروق شديدة أتت على 60% من جسدها، فيما فقدت ثمانيَ من أصابع يديها. الجعابيص، التي كانت تدرس في الكلية الأهلية في بلدة بيت حنينا شمالي القدس، وتعمل في مجال رعاية المسنّين والأطفال وترفيههم، أَطلق جنود الاحتلال النار عليها بينما كانت تنقل في سيارتها جزءاً من «عفش» بيتها، بما فيه أنبوبة غاز فارغة، إلى سكنها الجديد. تَحفظ الأسيرة المصابة تاريخ 11/10/2015، جيّداً. يومها، ولحظّها العاثر، تعطّلت سيارتها على بعد 1500 متر من مستوطنة «معاليه أدوميم»، قبل أن يتسبّب خلل كهربائي باندلاع النار فيها، ويؤدّي إلى انفجار بالون الهواء المقارب للمقود. ولدى خروجها من السيارة بعدما اندلعت النيران في جسدها، طلبت المساعدة من جنود العدو القريبين منها، فما كان من أحدهم إلّا أن عمد إلى دفعها إلى المركبة وإغلاق الباب عليها. وعلى رغم أن الحدث قُيّم على أنه حادث عرضيٌّ في البداية، إلّا أن المحقّقين الإسرائيليين وجّهوا إليها تهمة اعتزام تنفيذ عملية فدائية. وتقضي الأسيرة حكماً بالسجن 11 عاماً، بعدما عقدت إدارة مصلحة السجون محاكمتها وهي مقيّدة من أطرافها المحترقة في سرير المستشفى، حيث عانت من تشوّهات بالغة في الوجه وأنحاء الجسد كافة. وعلى الرغم من تنافي الدلائل المتوافرة مع التهمة، إلا أن القضاء الإسرائيلي استند إلى منشورات لإسراء على صفحتها في «فيسبوك»، تؤيد فيها المقاومة والشباب الثائر، في تثبيت الحكم. والجعابيص هي أمّ لطفل واحد، وواحدة من 43 أسيرة من بينهنّ 15 أماً، يعشن أوضاعاً إنسانية قاسية في سجون الاحتلال، وتحديداً في سجن الدامون، حيث يُحرَمْن من زيارة أبنائهن.
تتذرّع مصلحة إدارة السجون الإسرائيلية بانتشار وباء «كورونا» في فرض قوانين صارمة

أمّا سمر صبيح، وهي أسيرة محرَّرة من قطاع غزة، فقد اعتقلتها قوات الاحتلال أثناء مرورها عبر معبر بيت «حانون - إيرز» وهي في طريقها إلى زيارة أقاربها في مدينة طولكرم، ووجّهت إليها تهمة الانتماء إلى حركة «حماس». «لم يشفع لي الجنين الذي في رحمي»، تقول صبيح لـ«الأخبار»، مضيفة أنها لاقت تعاملاً وحشياً منذ لحظة اعتقالها الأولى، إذ اقتيدت إلى معسكر للجيش في «هداسا عين كارم»، وبعد فحصها والتثبّت من حملها، جرى نقلها إلى مركز تحقيق المسكوبية في القدس، حيث أمضت أشهر التحقيق الثلاثة في زنزانة لا يتجاوز طولها الثلاثة أمتار تحت الأرض، وتسكنها الحشرات المؤذية والقوارض. تتابع صبيح: «أمضيت أشهر حملي بدون أدنى مستويات الرعاية الطبية، حيث الأكل سيّئ كمّاً وكيفاً، وجدران السجن متعفّنة، والرطوبة ورائحة العفن تملآن المكان». غير أن الأقسى في تجربة الأسر، كان ميلادها لطلفها براء: «أخذوني إلى مستشفى السجن في كفار سابا، وقيّدوني من قدمي ويدي على سرير الولادة، وترافقت عملية توليدي مع سيل هائل من الشتائم والألفاط النابية، ولمّا استفقْت من التخدير، كانوا قد أخذوا وليدي إلى الحضانة، ولم يسمحوا لي برؤيته إلّا في ساعة الرضاعة».
وتتذرّع مصلحة إدارة السجون الإسرائيلية بانتشار وباء «كورونا» في فرض قوانين صارمة، من بينها تقليص الزيارات إلى زيارة واحدة شهرياً، يقوم بها شخص واحد بالغ من العائلة، ما يحرم الأسيرات الأمّهات من رؤية أطفالهن. أمّا ذروة الوحشية فتَمثّلت في منْع الأسيرة خالدة جرار من وداع ابنتها سهى، التي قضت بشكل مفاجئ قبل شهرين، وهو ما تراه مسؤولة الإعلام في «نادي الأسير»، أماني سراحنة، «أقسى أنواع القهر والحرمان». وتكتمل فصول الانتهاك الإنساني لحقوق الأسيرات، وفق سراحنة، بقضية الأسيرة الحامل، أنهار الديك، التي اعتقلتها قوات الاحتلال مطلع شهر آذار الماضي، إذ تعاني الديك من اكتئاب حمل «ثنائي القطب»، علماً أنها قاربت على الدخول في شهرها التاسع. وينقل محامي الأسيرة الديك عنها قولها: «إن السجن غير مهيّأ للولادة وتربية الطفل، حيث التفتيش المتكرّر والعدّ ودقّ الشبابيك كل ذلك يتسبّب في حالة نفسية قاسية للكبار، فكيف بالصغار؟». وتكمل الديك أن «البرش الذي تنام عليه مليء بالحشرات المؤذية ويفتقر إلى أدنى شروط السلامة الصحية».
وعن ظروف اعتقال الأسيرات، تقول المحامية المتخصّصة في متابعة أحوال الأسيرات، حنان الخطيب، إن «إدارة السجون تزجّ بالأسيرات في معبر الشارون برفقة الأسيرات الجنائيات الإسرائيليات، حيث المعتقَل مليء بالحشرات والبقّ، وجدرانه خشنة سمراء كحيطان القبور». وتضيف الخطيب أنه «ليس من المبالغة القول بأن الحشرات تأكل أجساد الأسيرات وتترك ندباً على أجسادهن». وفي شأن أساليب التحقيق، تؤكد عدّة جهات حقوقية أن الأسيرات يتعرّضن لمختلف أنواع التعذيب النفسي والجسدي، من الشبْح لساعات طويلة بوضعيات مهينة، إلى التفتيش العاري، والحرمان من النوم لفترات طويلة، والضرب المبرح الذي يترافق وإهانات لفظية، ناهيك عن استدعاء عائلاتهن والتنكيل بهن كجزء من العقاب الجماعي». وصعّدت قوات الاحتلال، منذ عام 2015، استهدافها للمرأة الفلسطينية، ليبلغ عدد الأسيرات مذّاك 900 أسيرة، من بينهن أمّهات وفتيات قاصرات.