غزة | هذه هي المرّة الأولى، منذ خمسة عشر عاماً أدارت فيها حركة «حماس» شؤون الحُكم في قطاع غزة، التي تتدخّل فيها وزارة العمل التابعة للحركة بشكل مباشر في ملفّ العمل في الداخل المحتلّ، إذ بقي هذا الملفّ، طيلة السنوات الماضية، حكراً على وزارة الشؤون المدنية التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله، والتي تمتلك مقرّاً في غزة، إلى جانب مكتب تنسيق مع السلطات الإسرائيلية في معبر «بيت حانون - إيرز» شمال القطاع. وبحسب سلامة معروف، وهو الناطق باسم المكتب الإعلامي الحكومي، فإنه من المقرّر أن تسمح إسرائيل لعشرين ألف عاملٍ من القطاع بالعمل في الداخل المحتلّ، فيما ستتولّى وزارة العمل استقبال طلبات الراغبين في الحصول على تصاريح عبر موقعها الإلكتروني، ضمن شروط معيّنة. ويصل عدد العاطلين عن العمل في القطاع إلى 223 ألف عامل من كلا الجنسين، من بينهم عشرات الآلاف من حَمَلة الشهادات الجامعية وأصحاب المهن والخبرات الصناعية. وكان رئيس حكومة الاحتلال الثلاثين، آرييل شارون، قد فتح أبواب العمل في الداخل أمام سكّان القطاع عام 2002، بعد سلسلة طويلة من التقليصات التي ترافقت مع بداية انتفاضة الأقصى في عام 2000. وبحسب إحصائية «معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني» (ماس)، فإن عدد العاملين في (إسرائيل) تجاوز في عام 1998 حاجز الـ115 ألف عامل، 40% منهم من قطاع غزة.أيمن أبو كريم، وهو مدير المشاريع والتعاون الدولي في وزارة العمل في القطاع، أكد أن وزارته هي الجهة التي ستتولّى استقبال طلبات الراغبين في دخول الأراضي المحتلّة للعمل، وذلك بناءً على توصيات لجنة متابعة العمل الحكومي التابعة لـ«حماس». وإذ رفض أبو كريم، خلال استضافة إلكترونية مفتوحة عبر شبكة «ميدان» المحلّية، إجابةَ سؤال «الأخبار» حول الجهة التي ستتولّى التواصل مع الاحتلال لاستصدار التصاريح، فقد أوضح أن وزارته تعمل كجهة تنفيذية ناظمة لقرارات لجنة متابعة العمل الحكومي، وأن دورها سينحصر في هذه المرحلة في إطار جمع بيانات العمال، فيما سيُكشف عن باقي الآليات في وقت لاحق. وتهدف الوزارة، من خلال التسجيل على هذا النحو، إلى تجنّب تكرار مشهدية التزاحم المهينة على شبابيك هيئات أخرى، «امتهنت كرامة المواطنين وحطّت من قدرهم» بحسب أبو كريم، وتوفير بيانات شاملة عن فئة المتقدّمين ومجالات علمهم، تسهيلاً لإمكانية حصولهم على فرص عمل في الداخل المحتلّ.
وفي ما يتّصل ببقيّة الترتيبات، يوضح الخبير الاقتصادي، محمد أبو جياب، أن أسماء المسجّلين ستُسلَّم لوزارة الشؤون المدنية التابعة لرام الله كجهة تنسيقية، سترسلها بدورها إلى مكتب الارتباط الإسرائيلي، الذي سيسلّمها لجهاز المخابرات الإسرائيلي «الشاباك»، والذي سيصدر قراراته بالسماح أو الرفض للمتقدّمين، وفقاً للمعطيات الأمنية المتوفّرة لديه. ويتابع أبو جياب في تصريح إلى «الأخبار»: «في ما بعد، سيُطلب من المتقدّمين الفحص عن حالة طلبهم من خلال رابط إلكتروني، ومن يُقبل سيُطلب منه فتح سجل تجاري، سيحصل بموجبه على تصريح عمل للدخول بصفة تاجر». وكان وكيل وزارة العمل في غزة، إيهاب الغصين، قد أعلن أن قرابة 9 آلاف شخص من الراغبين في العمل سَجّلوا خلال اليوم الأوّل فقط من الإعلان، لافتاً في منشور على صفحته في «فايسبوك» إلى أن وزارته تقوم بدورها في فحص طلبات المتقدّمين وتجهيز ملفّاتهم.
ستتولّى وزارة العمل استقبال طلبات الراغبين في الحصول على تصاريح عبر موقعها الإلكتروني


في خلفيات ذلك، تكشف مصادر مطّلعة، لـ«الأخبار»، أن اتفاقاً تمّ توقيعه بوساطة مصرية - قطرية مع الاحتلال، يقضي برفع عدد العمال من غزة من 7 إلى 20 ألفاً، على أن يساهم هؤلاء في إدخال سيولة نقدية إلى القطاع تصل إلى 80 مليون دولار، بما فيها المنحة القطرية الشهرية. وتتطلّع الأطراف الإقليمية إلى أن تخفّف هذه المدخولات النقدية من احتقان الشارع الغزّي، بما يساهم في تطويل فترة الهدوء، حتى إن لم يتمّ التوصّل قريباً إلى اتفاق تهدئة طويل الأمد مع فصائل المقاومة. لكنّ أبو جياب ينبّه إلى تمسّك الاحتلال بعدم منح العمال صفة «عامل»، وهو ما من شأنه أن يجعلهم عرضة للابتزاز والتلاعب، إذ إن دخولهم للعمل بصفة «تاجر» سيحرمهم من حقوقهم العمالية، كالتأمين على الحياة، والحقوق في حالة الإصابة، ومكافآت نهاية الخدمة، فضلاً عن أن فتح المحتاجين للعمل سجلّات تجارية سيفقدهم حقهم في الحصول على مساعدات وزارة الشؤون الاجتماعية و«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين».
من جهته، يرى محسن أبو رمضان، وهو كاتب ومحلّل سياسي، في التفاهمات الأخيرة التي أفضت إلى دخول منحة الموظفين بقيمة 10 ملايين دولار، بشكل غير مباشر، ورفع عدد تصاريح العمل في الداخل المحتل إلى 20 ألفاً، خطوة لنقل غزة من مربع الحصار الذي رزحت فيه قرابة 15 عاماً، إلى مساحة أكثر تقدّماً، تحول دون اندلاع مواجهات عسكرية في المدى القريب. ويبيّن أبو رمضان، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «ما يتمّ الحديث عنه هو حلقة من حلقات مترابطة بعضها مع بعض، ولربّما يكون هذا التقدّم المحرَز مقدّمة لحدوث اختراق في ملفّ صفقة تبادل الأسرى، وقبول المقاومة بإبرام هدنة طويلة الأمد». ويلفت إلى أن إسرائيل، ومعها الوسطاء العرب (قطر ومصر تحديداً)، يجهدون في تطبيق رؤية الإدارة الأميركية الحالية، التي تتبنّى نظرية «السلام الاقتصادي»، سعياً في تسكين ملفّ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، للتفرّغ لأزمات دولية أكثر أهمّية بالنسبة إليها، مثل الصين وإيران. لكنّ مراقبين يرون أن التوصّل إلى اتفاق تهدئة طويل المدى لا يزال أمراً بعيد المنال، خصوصاً أن المقاومة في غزة تصرّ على أن تحافظ على دورها الوطني، الذي لا يسمح المساس بالخطوط الحمراء، مثل القدس والأسرى والاستيطان، وهو الأمر الذي سيعرقل استمرارية الهدوء.