شهدت حركة حماس، خلال 34 عاماً منذ تأسيسها، سلسلة تَغيّرات على عدّة مستويات، وخاصّة في علاقتها بجماعة «الإخوان المسلمين»، إذ شهدت السنوات الأخيرة تنامي قناعة داخل صفوف جزء لا يُستهان به من أبناء الحركة وقياداتها، بكون منهج «الإخوان» لا يحمل «الثورية» الكافية للدفْع بمشروع تحرير فلسطين قُدُماً، وبضرورة أن تصبح مواجهة الاحتلال مُقدَّمة على أيّ اعتبار سياسي أو إيديولوجي آخر، بما يقتضي ضرورة ضمّ شرائح مختلفة من الفلسطينيين إلى هذه المعركة. وفي الوقت نفسه، كانت تتعزّز فكرة التخلّي عن الارتباط بـ«الإخوان» لدى أطراف من الجناح العسكري، يرون أن فكر الجماعة يعيق الخطّ الجهادي للحركة، وأن الأخيرة بحاجة إلى تعميق الوعي الثوري لدى أبنائها، بعيداً من سرديّة الضحية التي يتربّى عليها «الإخوان» في مختلف الساحات. كذلك، برزت حالة رفض داخلي للمدرسة الوهابية، التي حاول عدد من قيادات «حماس» الذين درسوا في السعودية إدخال مبادئها إلى الحركة، وهو ما قوبل بتململ من قِبَل مَن يجدون هذا الفكر عقيماً، وبعيداً عن منهج المقاومة وفلسفتها.في خضمّ تلك الديناميات الداخلية، وعلى ضوء جملة من الأحداث التي أطاحت حُكم «الإخوان» في غير دولة عربية، أيقن التيّار الجديد داخل حركة «حماس» أن الاستمرار في العلاقة مع «الإخوان» يضرّ حتى بالسياسة «البراغماتية» التي انتهجتها الحركة خلال السنوات الخمس الأخيرة، والهادفة إلى تحقيق مكاسب تكتيكية تخدم الهدف الاستراتيجي المتمثّل في طرْد الاحتلال والتحرير. ومن هنا، أعادت «حماس»، في عام 2017، تعريف نفسها، في وثيقتها السياسية الجديدة، بأنها «حركة تحرّر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، ومرجعيّتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها السامية»، ملغِيةً ارتباطها الفكري والتنظيمي بـ«الإخوان». والواقع أنها حذت، في ذلك، حذْو حزب «النهضة» التونسي، الذي فكّ زعيمه راشد الغنوشي ارتباطه بالجماعة في مصر، بعدما أثبتت فشلاً ذريعاً في الحُكم. ولعلّ ما حفّز اتّخاذ هذه الخطوة لدى «حماس» أيضاً: إغلاق المنفذ البرّي الوحيد للقطاع الرابط بينه وبين مصر (رفح)، وسياسة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، «العدائية» تجاه غزة، قبل أن تتحسّن العلاقات مع انتخاب قيادة جديدة للحركة منتصف 2017.
وفي ضوء التعريف الجديد، أكد رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، خلال زيارته القاهرة في عام 2020، أنه لا تربط الحركة بـ«الإخوان» أيُّ علاقة. وهو ما شدّد عليه أيضاً رئيسها في الخارج، خالد مشعل، في حوار تلفزيوني، أشار فيه إلى «(أننا) حركة فلسطينية قائمة بذاتها في فلسطين، ولها قضيتها التي تنشغل بها، لكنّنا منفتحون على أمّتنا العربية والإسلامية وعلى مختلف قواها وتنظيماتها بما فيها الإخوان المسلمون». وعلى رغم تلك التصريحات، إلّا أنه سيكون من غير الواقعي انتزاع الحركة من سياقها التاريخي، لكنّ الأهمّ الآن هو وجود تيار عريض داخل «حماس» يرى في ضرورة التخلّي عن الفكر «الإخواني»، خدمةً لهدف التحرير. ومع أن هذا التيار «الثوري»، الذي بدأ ينمو لدى مستويات مختلفة في الحركة، لا يزال يواجَه بعقبات ومحاولات لإعادته إلى حاضنته «الإخوانية»، من باب عدم خسارة الشارع «السُّنّي» المتعاطف مع الجماعة، إلّا أنه لا يفتأ يُوسّع دائرة قبوله، توازياً مع الارتقاء بمستوى العلاقة بـ«محور المقاومة».