رام الله | بات خطّ النار في الضفة الغربية المحتلّة أكثر وضوحاً، ممتدّاً من جنين مروراً بنابلس وصولاً إلى الخليل، ليبْقى الاشتباك حيّاً، والسلاح متأهّباً لأيّ مواجهة قد تقع، على غرار ما حدث صباح أمس في مخيّم جنين، الذي شهد معركة جديدة قد تكون الأشرس في الضفة منذ سنوات. وبدأت قوات الاحتلال، الأربعاء، عملية عسكرية واسعة في المخيم، شاركت فيها أكثر من 60 دورية عسكرية وطائرات مروحية، وأخرى مسيّرة مذخّرة بالصواريخ، في ما بدا أقرب إلى اجتياح واسع، استهدف خصوصاً عائلة الشهيد رعد حازم، منفّذ «عملية ديزنغوف» في تل أبيب. وبحسب مصادر محلّية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن جنود العدو حاصروا منزل العائلة من كلّ الجهات في تطبيق لأسلوب «طنجرة الضغط»، الذي يتّبعه جيش الاحتلال في حصار المقاومين، ومن ثمّ قاموا بقصفه بصاروخ مضادّ للدروع والرصاص الثقيل، ما أدّى إلى احتراقه، واستشهاد شقيق رعد، عبد، ورفيقه محمد الونة، بينما استشهد الشاب أحمد علاونة، وهو أحد عناصر جهاز الاستخبارات العسكرية، برصاصة في الرأس أطلقها عليه قنّاص إسرائيلي، أثناء خوضه مع عشرات المقاومين اشتباكاً مسلّحاً بالبنادق والقنابل المحلّية، منذ اللحظات الأولى للاجتياح. وادّعت وسائل الإعلام العبرية، نقلاً عن جيش العدو، أن الشهيد عبد حازم متّهَم بتنفيذ عمليات إطلاق نار على آليات لقوات الاحتلال قرب حاجز الجلمة، وتحضيره لتنفيذ هجمات أخرى، في وقت لا تزال فيه ملاحقة والده جارية. وعقب انتهاء الجولة الأولى من الاقتحام، استمرّت المواجهات في محيط المخيّم، ما أدّى إلى إصابة العديد من الشبّان، لتبلغ الحصيلة النهائية للعدوان، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، 4 شهداء و44 جريحاً، بعضهم في حال الخطر، وليعمّ الحداد والحزن والغضب، إثر ذلك، جميع أنحاء الضفة. وجاء العدوان على مخيّم جنين في الذكرى الثانية والعشرين لانتفاضة الأقصى، وكأنّ العدو أراد تذكير أهالي المخيّم بما ارتكبه من مجازر قبل 22 عاماً. لكنّ المقاومين ذكّروا الاحتلال، في المقابل، ببأْسهم في مواجهته إبّان الاجتياح الذي كبّده خسائر مؤلمة، فضلاً عن العمليات الفدائية التي خرجت من هذه المدينة تحديداً. وإذا كانت جنين قد برزت كقائدة للمقاومة خلال الانتفاضة الثانية، وشكّلت معركة مخيّمها آنذاك علامة فارقة في تاريخها، اكتسبت المدينة على إثرها ألقاب «جنين غراد» و«عاصمة الإرهاب» و«عشّ الدبابير»، فإنها تبدو اليوم أكثر ثباتاً على نهجها، الذي استطاعت تجديده منذ معركة «سيف القدس»، وصولاً إلى شكله الحالي، حيث لا يفتأ يتوسّع في اتّجاه مدن أخرى، على رأسها نابلس القديمة ومخيّماتها والخليل ورام الله. وهذا النهج تحديداً هو ما أعادت جماهير الضفة تمسّكها به أمس، في مسيرات مندّدة خرجت إثر مجزرة مخيّم جنين، في حين أعلنت سلطات الاحتلال رفع التأهّب الأمني إلى درجة قصوى، ليس في الضفة فقط، وإنّما أيضاً في الداخل المحتل، خشية خروج تظاهرات ساخطة قد تتحوّل إلى مواجهات عنيفة على غرار ما جرى في أيار 2021. وبينما احتفى قادة العدو والمستوطِنون بالمجزرة، ودعوا إلى تكرارها في جنين ونابلس، كان الفلسطينيون يهتفون بالمطالبة بالانتقام، وعلى رأسهم أبو رعد حازم الذي خاطب المقاومين في فيديو قصير إثر استشهاد نجله الثاني، بالقول: «المخيم أمانة في أعناقكم... لا تُضيّعوا وحدة الصفّ الفلسطيني». وإذ نعت فصائل المقاومة ومجموعات «عرين الأسود» في نابلس، الشهداء، ودعت إلى تصعيد أعمال المقاومة، لم يتجاوز موقف السلطة الفلسطينية حدود الاستنكار والإدانة.
يبدو أن عدوان الأمس على مخيّم جنين سيكون عنصر تأجيج إضافياً للأوضاع الميدانية


وفي وقت يهدّد فيه العدو بحملات جديدة ضدّ جنين ونابلس، وتتواصل استفزازات مستوطِنيه في القدس، يبدو أن عدوان الأمس على المخيّم سيكون عنصر تأجيج إضافياً للأوضاع الميدانية في الأراضي المحتلّة، ودافعاً إلى مزيد من المواجهات والعمليات الفدائية، في مسلسل لا يزال متواصلاً، إذ تَعرّضت قوات الاحتلال، مساء الثلاثاء، لإطلاق نار من مركبة قرب عصيرة الشمالية في محافظة نابلس، كما تَعرّضت قوّة أخرى لحادث مماثل قرب بلدة جبع جنوب جنين. واستهدف شبّان في الخليل، أيضاً، برجاً عسكرياً إسرائيلياً بقنبلة محلّية الصنع (كوع متفجّر)، فيما تمكّن شابّ، فجر الأربعاء، من اقتحام حاجز شعفاط بمركبته، حيث أطلق الجنود النار عليه بزعْم محاولته تنفيذ عملية دهس. ولم تكد ساعات تمرّ على اجتياح المخيّم، حتى استُهدف جيب عسكري إسرائيلي، ظُهر الأربعاء، بعدد من العبوات المحلّية الصنع قرب مستوطنة «يتسهار» جنوب مدينة نابلس، في حين جَرى رشْق جيبات أخرى بزجاجات حارقة قرب طولكرم ونابلس، وطاولت حاجزَ الجلمة شمال جنين عبواتٌ شديدة الانفجار، ما دفع العدو إلى إغلاقه.
وسبقت أحداثَ جنين مواجهاتُ عنيفة عاشتها أحياء مدينة القدس المحتلّة لليوم الثالث على التوالي، حيث ألقى عشرات الملثّمين في بلدات صور باهر والطور وسلوان الزجاجات الحارقة والألعاب النارية والمفرقعات والحجارة على شرطة الاحتلال، لتردّ الأخيرة بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت عليهم وعلى منازل الواطنين، ما أدّى إلى إصابة 15 مقدسياً. وتزامَنت تلك المواجهات مع «عيد رأس السنة العبرية»، والذي فشلت فيه الجماعات الاستيطانية في حشد آلاف المستوطنين لاقتحام المسجد الأقصى وإقامة الشعائر التلمودية داخله، كما كانت تخطّط له. لكن ذلك لن يمنع استمرار التأهّب الأمني في الضفة والقدس، خصوصاً أن «الأعياد اليهودية» ستستمرّ حتى الـ17 من تشرين الأول، وأن اقتحامات المستوطِنين للمسجد ستتكرّر، فضلاً عن أن مجزرة جنين ستُلقي بظلالها على المشهد برمّته. وابتداءً من أمس، وحتى الأربعاء المقبل، بدأت «منظّمات الهيكل» المزعوم التركيز على اقتحام الأقصى بالثياب الكهنوتية البيضاء، وأداء الطقوس الجماعية داخله في ما تُسمّى «أيام التوبة» التوراتية، الأمر الذي سيدفع سلطات الاحتلال إلى إبقاء الاستنفار على أشدّه، من خلال نشْر مئات من عناصر الشرطة وحرس الحدود في شوارع المدينة وطرقاتها، ونصْب الحواجز العسكرية والمتاريس، وتقييد حركة المقدسيين.