لم يَترك تنكُّر إسرائيل لحقوق الأسرى الفلسطينيين، الذين ترفض التعامل معهم على أنهم أسرى حرب، باباً للحرية سوى صفقات التبادل. وبينما لم يكن الثمن الذي دفعتْه فصائل «منظّمة التحرير» من جرّاء عمليات أسْر الجنود التي نفّذتْها من الخارج باهظاً على الصعيد البشري، ظلّ الوضع في القطاع شديد التعقيد، حيث تتحمّل حركة «حماس» وحدها عبء المسؤولية عن حياة نحو مليونَي ورُبع مليون إنسان، إذ تُسارع دولة الاحتلال دائماً، في ردّها على عمليات الأسر، إلى الانتقام من الحاضنة الشعبية للمقاومة، مثلما فعلت عقب عملية «الوهم المبدَّد» عام 2006، بتشديدها الحصار على غزة وتدميرها محطّة توليد الكهرباء الوحيدة هناك، وأيضاً في حرب 2008 - 2009 التي استمرّت 22 يوماً، حاملةً هدفاً وحيداً هو استعادة الجندي الأسير لدى «حماس»، وإسقاط حُكم الحركة. وفيما يجادل البعض في جدوى عمليات الأسر، بالنظر إلى تبِعاتها القاسية، يرى آخرون أن نِتاجاتها الوطنية جديرة بكلّ تلك التضحيات، بمعزل عن الواجب الأخلاقي والمسؤولية الوطنية تجاه الأسرى في سجون الاحتلال. وفي هذا الإطار، يقول الباحث السياسي، إسماعيل محمد، إنه لم يبقَ أيّ حيّز جغرافي يسمح للمقاومة بأداء واجبها تجاه الأسرى سوى القطاع، موضحاً، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الواقع الاحتلالي في الضفة، وإنْ تَوفّرت فيه فُرص عمليّات أسْر جنود، أكثر سهولة ممّا هو عليه الحال في غزة، فإن فُرص الاحتفاظ بالجنود، والدخول في صفقة تبادل للإفراج عنهم تبدو مستحيلة (...)»، مذكّراً بـ«عملية أسْر ثلاثة مستوطِنين عام 2014، اضطرّ المنفّذون عقِبها إلى قتْلهم، وعمليات أخرى كانت تصل يدُ الاحتلال فيها إلى الخاطفين والمخطوفين في غضون ساعات»، مضيفاً أن «النظام السياسي، أي السلطة، غير معنيّ بـ»مغامرات» كتلك». أمّا في الخارج، فيرى المحلّل السياسي أن «إبعاد فصائل المقاومة عن دول الطوق - الأردن ولبنان، وتَعقّد الأوضاع الميدانية والداخلية في حواضن المقاومة التي تستضيف حضوراً فلسطينياً في شكل «لاجئين»، وتُوفّر مشكورةً بيئةَ عمل وتَحرّك محدودة لقيادات فصائل المقاومة، فيما تتضاعف عليها الظروف الدولية والمحلّية الضاغطة، كلّ ذلك لا يسمح بالعمل من أراضيها لصالح ملفّ كهذا».
مع ذلك، فإن الواجب الأخلاقي والوطني، من وُجهة نظر المقاومة، يفرض ضرورة السعي لانتزاع حرية الأسرى، فضلاً عن أن صفقات التبادل تُجدّد «ضخّ الدماء في الحالة الوطنية»، وفق ما يرى الباحث في شؤون الأسرى، أحمد المصري، في حديث إلى «الأخبار»، لافتاً إلى أن «إسرائيل تحتفظ في سجونها بقادة لا تجود الشعوب بأمثالهم كثيراً، لا على صعيد الفكر الوطني والسياسي، ولا على صعيد القدرات الأمنية والعسكرية، وقد أسهم تَحرّر عدد من هؤلاء في صفقتَي 1983 و1985 بشكل أو بآخر في اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987، كما أسهمت عملية نفق الحرية عام 2021، وإنْ بشكل معنوي، في بعْث المقاومة من جديد في الضفة الغربية المحتلّة». وإلى جانب ما سبق، فإن «قدرة المقاومة على تحرير أسراها بشكل مستمرّ، تساهم في تعزيز الدافعية إلى التضحية، حيث تزداد ثقة الجماهير بالمقاومة ووعودها، لتَدخل السجون وهي واثقة بأن الحرية تنتظرها»، بحسب اعتقاد المصري.
وبالعودة إلى قطاع غزة الذي يكافح بمنشاره «عُقدة» الاحتلال الأبرز، فإن «أسوأ ما يمكن أن يَنتج من صفقة تبادل معه»، وفق ما يراه الكاتب الإسرائيلي زئيف شيف، «ليس عدد الأسرى الكبير المفرَج عنهم، إنّما أن يطلَق سراحهم ويعودوا إلى الضفة الغربية والقطاع»، وهو بالضبط ما تَحقّق عقب صفقة عام 2011، حيث تبوّأ الأسرى المحرَّرون مواقع قيادية في فصائل المقاومة، فيما تتّهم إسرائيل بعضهم بقيادة العمل المقاوم في الضفة من داخل غزة. على أن «الأثمان التي تُدفع على طريق تنفيذ عملية أسْر جنود ناجحة، أو لإبرام صفقة تبادل، مستحَقّة، بالنظر إلى الحيوية والروح والأثر الوطني والمعنوي العظيم الذي تُحقّقه تلك الصفقات»، بحسب ما يختم به المصري حديثه.