يوم آخر مليء بالمفارقات عاشه الفلسطينيون، بدأ فجراً في مخيم جنين الذي خاض مرّة أخرى معركة شرسة مع قوات الاحتلال التي اقتحمت المخيم بعشرات الآليات العسكرية والوحدات الخاصة، منها قوات «اليمام» وحرس الحدود و«ماجلان»، في حلقة جديدة من مسلسل اعتداءاتها المتصاعدة في الضفة الغربية، بذريعة استهداف ثلاثة عناصر من «الجهاد الإسلامي» خططوا لتنفيذ «هجوم كبير».
وفي آخر التطورات إثر هذه المجزرة، تمخّض عن «الاجتماع الطارئ» للقيادة الفلسطينية قرار بـ«وقف التنسيق الأمني» مع الاحتلال، وفق ما أعلن نبيل أبو ردينة، الناطق باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قائلاً: «في ضوء العدوان المتكرّر على أبناء شعبنا والضرب بعرض الحائط بالاتفاقيات الموقّعة، قرّرت القيادة الفلسطينية اعتبار أنّ التنسيق الأمني مع حكومة الاحتلال لم يعد قائماً اعتباراً من الآن».

وفي المقابل، أعربت الولايات المتّحدة عن أسفها لقرار السلطة الفلسطينية، على لسان باربرا ليف، كبيرة الديبلوماسيين الأميركيين لشؤون الشرق الأوسط، التي قالت: «من الواضح أنّنا لا نعتقد أنّ هذه هي الخطوة الصحيحة التي يجب اتّخاذها في هذه اللحظة». وأضافت: «نعتقد أنّه من المهم جداً أن يبقي الطرفان على التنسيق الأمني، وإذا كان هناك من أمر، فيتعيّن تعزيز التنسيق الأمني بينهما».

وكانت المقاومة تصدّت للتغوّل الإسرائيلي عقب اكتشاف القوات الخاصة المقتحمة للمخيم بعد تخفيها داخل شاحنة ألبان، التي أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام استهدافها بعبوات شديدة الانفجار، إضافة إلى إطلاق نار بشكل مباشر بعد محاصرتها. كذلك، قالت «كتيبة جنين» التابعة لـ«سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، إنها استهدفت قوات الاحتلال بصليات كثيفة من الرصاص والعبوات المتفجرة، لافتة إلى وجود إصابات مباشرة في صفوف جنود الاحتلال. كما أسقط المقاومون طائرة استطلاع من نوع «دورون» تابعة لجيش الاحتلال.

وقد أدّت مجزرة جنين إلى استشهاد «تسعة شهداء بينهم سيدة مسنّة»، إضافة إلى «أكثر من 20 مصاباً بينهم 4 إصابات بحالات خطيرة»، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية. وشيّع آلاف الفلسطينيين جثامين شهداء مجزرة جنين ومخيمها، التي حملوها على الأكتاف، من أمام مستشفى جنين الحكومي في مسيرة جابت شوارع المدينة، فيما عمّ الإضراب الشامل كافة مناحي الحياة.

والشهداء هم: صائب عصام محمود ازريقي (24 عاماً) من مدينة جنين، وعز الدين ياسين صلاحات (26 عاماً)، وعبدالله مروان الغول، ووسيم أمجد جعص، والمسنة ماجدة عبيد من مخيم جنين، ومعتصم أبو الحسن من اليامون، ومحمد محمود صبح، والشقيقان محمد ونور سامي غنيم من برقين. وتم نقل جثامين الشهداء إلى برقين، واليامون، ومخيم جنين، لمواراتهم الثرى.

وفي المقابل، لم يعترف الاحتلال الإسرائيلي بوقوع إصابات في صفوفه، كعادته، بينما أكّدت المقاومة سقوط عدد من القتلى في صفوف الاحتلال، وتحدثت وسائل إعلام عبرية عن مقتل ضابط.


المقاومة تحذّر: غزة لن تسكت
وبعد المجزرة التي ارتكبتها، رفعت قوات العدو من حالة التأهب وعززت انتشارها في الضفة الغربية، فيما ألغت بلديات مستوطنات محيط قطاع غزة الحفلات والمناسبات التي كانت مقررة اليوم، خشيةً من إمكانية الدخول في تصعيد مع غزة، لا سيّما بعد تحذيرات فصائل المقاومة بأنها لن تسمح للاحتلال بالتفرد ومواصلة إجرامه في الضفة أو القدس، وبعد تحذير «حركة الجهاد»، على لسان داود شهاب، أحد قادتها، من اندلاع معركة قريبة ومفتوحة في قطاع غزة، في حال لم تتوقف العملية العسكرية الإسرائيلية، قائلاً: «نحذر من دخول القطاع في مواجهة مفتوحة وقريبة، وحقيقة ما يجري في جنين من عدوان كبير وواسع لا يمكن أن يُقابل بصمت ولا يمكن السكوت عنه».

كذلك، قال المتحدث باسم حركة «حماس»، حازم قاسم، إن «التفاف الجماهير الشعبية حول المقاومين هو أحد أسباب انتصار مخيم جنين على الاحتلال، وسر قوته». ونوّه بأن «الاحتلال لن يفلح في كسر إرادة أبناء شعبنا الفلسطيني، وجنين تثبت أن اقتحامات الاحتلال تفشل في مواجهة المقاومين» أن المقاومة ستبقى مستمرة حتى دحر الاحتلال عن أرضنا الفلسطينية، وأن الثورة لن تهدأ إلا بزواله عن أرضنا.

بدورها، حملت حركة «الجهاد الإسلامي»، الاحتلال المسؤولية كاملة عن تداعيات عمليته العسكرية في جنين. وأكد المتحدث باسم الحركة، طارق سلمي، أن «صمود وبسالة المقاومة في مخيم جنين دلالة واضحة على التمسك بالحق والدفاع عنه مهما بلغت التضحيات. وأشاد سلمي بالوحدة الميدانية التي تشهدها ساحة المواجهة والاشتباك في مخيم جنين، مشدداً على أن المقاومة في كل مكان وجاهزة ومستعدة للمواجهة المقبلة في حال استمرت الحكومة الفاشية وجيشها المجرم في العدوان على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا».

من جانبها، قالت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، إنه على جماهير شعبنا تبنى خيار المقاومة ورفض الاستسلام. وأكدت أن جرائم الاحتلال بحق شعبنا الفلسطيني يجب ألا تمر من دون عقاب، داعيةً «جميع القوى وأذرعها العسكرية إلى مقاومة الاحتلال وضرب مواقعه وثكناته، وتبني خيار المواجهة العسكرية والسياسية الشاملة لدحره عن أرضنا ووقف عدوانه المتواصل».

وقد سارع رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، بإجراء تقييم للوضع الأمني بعد العدوان، هاتفياً، بمشاركة وزير الحرب يوآف غالانت، ووزير الخارجية إيلي كوهين، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، ورئيس الشاباك رونان بار، ومفوض الشرطة كوبي شبتاي.


محاور التماس تؤازر جنين
وخرج الآلاف في مسيرات توجهت صوب محاور التماس مع الاحتلال تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على المخيم، تخللها إطلاق جنود الاحتلال الرصاص، وقنابل الغاز المسيل للدموع والصوت تجاههم.

واندلعت مواجهات بين الشبان وقوات الاحتلال، عند المدخل الشمالي لمدينة البيرة، تنديداً بمجزرة الاحتلال في جنين ومخيمها، حيث أصيب 4 شبان، حالة أحدهم خطيرة، جرّاء استهدافهم من قبل قوات الاحتلال بالرصاص الحي، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

وأوضحت الصحة، أن شاباً أصيب بالرصاص الحي في منطقة الصدر، ووصفت حالته بالخطيرة، فيما أصيب ثلاثة آخرون في مناطق مختلفة من أجسادهم، ونقلوا جميعاً إلى مجمع فلسطين الطبي برام الله.

كذلك، خرج عشرات الطلبة من جامعة بيرزيت في مسيرة باتجاه حاجز «بيت إيل» العسكري، المُقام على أراضي المواطنين عند المدخل الشمالي لمدينة البيرة، حيث اندلعت مواجهات أطلق خلالها الجنود الرصاص، وقنابل الغاز المسيل للدموع والصوت تجاههم.

وأصيب أربعة فلسطينيين خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال في قلقيلية، تم نقلهم إلى المستشفى الحكومي بحسب وزارة الصحة.

وصباح اليوم، اقتحم مستوطنون المسجد الأقصى، بحماية مشددة من شرطة الاحتلال. وأفادت مصادر مقدسية، بأنّ المستوطنين أجروا جولات استفزازية داخل باحات المسجد الأقصى، وأدوا طقوساً تلمودية. وفي المقابل، دعت مبادرات وحراكات شعبية للمشاركة والحشد في حملة «الفجر العظيم» غداً الجمعة، في باحات المسجد الأقصى. وأكدت الدعوات أهمية المشاركة الواسعة في إقامة صلاة الفجر غداً الجمعة بالمسجد، رداً على اقتحامات المستوطنين.

وشهد المسجد الأقصى المبارك خلال الأسبوع الجاري، انتهاكات صارخة خلال اقتحامات المستوطنين، رفعوا خلالها أعلام الاحتلال. كما اقتحم عناصر من قوات الاحتلال المصلى القبلي والمصلى المرواني، والتقطت أعداد كبيرة الصور أمام مصلى قبة الصخرة.