هآرتس - آري شبيط كانت اسرائيل في بداية حزيران تختلف كثيرا عن اسرائيل في نهاية تموز. لم يكن فيها اطلاق قذائف صاروخية ولا عملية برية ولا صافرات انذار. ولم يكن فيها جنائز شباب اسرائيليين ولا مشاهد تثير الرعب لاولاد فلسطينيين موتى. وكان يمكن أن نؤمن في الهدوء المطمئن لبدء الصيف بأن اسرائيل آمنة، وحماس مردوعة والفوضى العربية بعيدة. وكان يمكن أن نعيش وهم أن العالم وجبة «سوشي»، و«مؤشر الـ «ناسداك» ومسلسل «الأخ الأكبر» التلفزيوني وعضويتنا السعيدة في الـ OECD. وكاد العقد يكون عقد هدوء نسبي وهناء وفقاعة.

وآنذاك قتل ثلاثة فتيان. وأُحرق فتى رابع وهو حي حتى الموت. فانطلقت قوات مظلمة من باطن الارض. وجُذب الاسرائيليون والفلسطينيون الى الدوامة بمسار بطيء لمأساة لا يمكن وقفها. وكانت رشقة اولى ثم رشقة ثانية ثم ثالثة. ثم قصف جوي وعملية برية وأنفاق. وظهر مقاتلون ذوو خبرة من «حماس» من داخل آبار يطلقون النار ويختفون. وكان مقاتلو الجيش الاسرائيلي في الشجاعية يدمرون ويصابون. وكان أكثر من 1200 قتيل في غزة. المجتمع صلب والروح طيبة والمقاتلون مدهشون، لكن جرفنا الصامد تعرض فجأة للأمواج الطاغية في شرق اوسط متطرف أصبح عنفه مُحكماً.
كنا هنا. كنا هنا قبل ثماني سنوات بالضبط. في صيف 2006 حينما لم ينجح الجيش الاسرائيلي في أن يهزم حزب الله في لبنان، وأن يوقف اطلاق صواريخه. وقد نظرنا الى البياض في عين التهديد وأدركنا مبلغ خطورة التأليف بين اطلاق الصواريخ، والاحتماء وراء سكان مدنيين وحرب العصابات. وعرفنا أن دولة اسرائيل ليس عندها رد مقنع على التحدي الجديد لميدان القتال غير المتكافئ.
لكننا في السنوات السبع السمان التي مرت منذ 2007، أبعدنا أنفسنا عن كل ما تعلمناه في حرب لبنان الثانية. وقلنا لأنفسنا إننا انتصرنا في الحقيقة. وقلنا لأنفسنا إن كل شيء على ما يرام. ولم نصنع سلاما ولم نستعد بجدية للحرب الى أن جاءت «حماس» في 2014 وفجرت الفقاعة التي مكّننا سلاح الجو والقبة الحديدية والهاي تيك من العيش فيها، الى أن تبين لنا مرة اخرى أننا نحيا مع كل ذلك هنا في العالم العربي وفي ارض اسرائيل – فلسطين.
إن المعنى الاستراتيجي لما يحدث هو أن السيادة الاسرائيلية قد انتُهكت. فالدولة التي سماؤها مثقوبة، ومجالها الجوي مخترق، ومواطنوها ينزلون الى الملاجئ على الدوام هي دولة عندها مشكلة. والدولة التي لا تعرف أن تُسكت النار التي تطلق على مجمعاتها السكنية مدة ثلاثة اسابيع هي دولة في ضائقة. ويضاف الى ذلك إخفاق الأنفاق الهجومية وعدم القدرة على احراز حسم واضح في معارك التماس. ولا تنجح قوة اسرائيل الاقليمية في التغلب تغلبا حاسما على كيان ارهابي صغير وفقير وجريء على مرأى من عيون أعدائنا واصدقائنا المذهولة.
إن المعنى الوجودي لما يحدث هو أننا نعود الى الوضع الاسرائيلي. لم نتعرض مدة اربعة عقود لتهديد حقيقي. ولم نجرب حربا برية كاملة مدة ثلاثة عقود. وكانت السنوات الاخيرة سنوات هناء. ولهذا لم نحتج الى القوى النفسية التي احتاج اليها جيل اسحق رابين وجيل روعي روتبرغ وجيل افيغدور كهلاني. ولم نحافظ على التركيز والوعي لعصر دافيد بن غوريون وليفي اشكول. ولم نُبق على المنظومات القيمية والجهازية المطلوبة للعيش في واقع قاسٍ.
ولا مناص الآن، فنحن مجبرون على التوقف. ولا داعي إلى محاولة دخول غزة التي قد تجلب كارثة، لكن حينما يقف اطلاق النار ويعود الأبناء الى الوطن، سنضطر الى أن نحدق الى المصير الاسرائيلي، والى الوضع الاسرائيلي. وسيتحتم علينا في خروجنا من الفقاعة المفجرة أن نجد حلا خلاقا لغزة وحلا سياسيا ليهودا والسامرة وأن نعزز جدا قدرة اسرائيل على حماية نفسها من أعدائها.