رام الله | فيما كان المؤتمرون في العقبة يواصلون اجتماعهم الذي خرج بجملة مخرجات أكدت التزام «جميع الاتفاقات السابقة» بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، وأعلنت الاتفاق على خفْض التصعيد ووقْف الإجراءات الأحادية والحفاظ على «الوضع القائم»، جاء الردّ على تلك المخرجات والمداولات التي سبقتْها، من حوارة، بعد أيّام قليلة فقط من وقوع مجزرة نابلس. ردّ أثبتَ، مرّة أخرى وبصورة أشدّ وضوحاً، أن سيْر السلطة نحو استرضاء الجانب الإسرائيلي، وتعهّدها بإرساء الهدوء في الضفة، لن يوقفا سَيْل العمليات الفدائية؛ ذلك أن مَن يقرّر مسار الأحداث وتوقيتها ومآلها، بات هو الشارع الفلسطيني والمقاومة، وليس غيرهما.

فيما كانت العقبة الأردنية تحتضن قمّة خماسية جمعت السلطة الفلسطينية وإسرائيل ومصر والأردن، تحت المظلّة والضغوط الأميركيَّين، لرسم سيناريوات هدفها القضاء على المقاومة في الضفة الغربية، وإجهاض المدّ الثوري وبذور الانتفاضة التي تتبلور في الميدان، كانت الضفة حاضرة بكلّ ألمها وحزنها وإصرارها للثأر والانتقام. ولعلّ أبرز توصيف لِما جرى، جاء على لسان أحد الفلسطينيين الذي علّق، قائلاً: «الفرحة في فلسطين، والحداد في العقبة»، بينما كان سكان مدينتَي نابلس وجنين يوزّعون الكنافة والحلويات على المواطنين، احتفاءً بالعملية الفدائية التي نُفّذت عصر يوم أمس في بلدة حوارة، وقُتل فيها مستوطنان اثنان، بالتزامن مع القمّة المنعقدة في العقبة، في مفارقة تختصر المشهد العام برمّته.
وتُعدّ عمليّة حوارة مهمّة للغاية من حيث المكان الذي نُفّذت فيه والتوقيت والنتائج أيضاً، كونها تزامنت مع انعقاد اجتماع العقبة الذي جاء بعد أيّام فقط من مجزرة نابلس التي استشهد فيها 11 فلسطينياً. وإذا كانت السلطة قد قرّرت حضور القمّة رغماً عن جميع الفلسطينيين الذين أعلنوا، بكافة توجّهاتهم، رفضهم تلك المشاركة، حينها يمكن قراءة فحوى رسائل العمليّة بصورة مختلفة، أي بأنّ مَن يقرّر مسار الأحداث هو الشارع الفلسطيني والمقاومين. وممّا هو لافت في العمليّة أنها لم تتأخّر عن مجزرة نابلس، إذ تمثّل، من بين أمور كثيرة أخرى، ردّاً قويّاً عليها، خصوصاً أن حوارة، المكان الذي وقعت فيه، تُعدّ مربّعاً أمنيّاً ينتشر فيه جنود الاحتلال بكثافة على مدار الساعة؛ وممرّاً لمئات المستوطنين. ومع هذا، استطاع المنفّذ القيام بعمليّته من مسافة صفر، وإطلاق النار على المستوطنين داخل مركبتهم والانسحاب من المكان بسلام. وبحسب المصادر العبرية، قتل في العملية مستوطنان، وهما شقيقان أحدهما جندي. وأفادت تحقيقات جيش الاحتلال الأوّلية بأنهما قُتلا من مسافة قريبة، إذ ذكرت «القناة 13» العبرية، نقلاً عن مصدر عسكري، قوله، إن «التحقيق الأوّلي يشير إلى أن منفّذ عمليّة حوارة كان منفرداً، واستخدم مسدّساً، وأطلق النار من مسافة صفر، وانسحب راجلاً»، في حين أفادت «كان» الإخبارية بأنه «عثر في موقع العملية على 12 رصاصة من عيار 9 ملم»، وبأن «المنفذ ربّما استخدم مسدّساً أو سلاحاً مصنوعاً يدوياً، وأطلق النار من مسافة صفر، وانسحب سيراً على الأقدام»، مشيرة إلى أن المنفّذ استغلّ الازدحام المروري بالقرب من مكان العمليّة. ومن جهته، قال رئيس مجلس مستوطنة «بيت إيل» الذي شاهد العملية بينما كان ماراً من المكان: «وقع إطلاق النار خلفي تماماً... بدا الأمر مروّعاً... كان إطلاق النار من مسافة قريبة جدّاً. من المستحيل أن تقع مثل هذه الهجمات بسهولة، وإطلاق النار بحرية وفي وضح النهار. هذا تهديد حقيقي». وارتفع عدد قتلى العدو، خلال شهر ونصف شهر، إلى 13 قتيلاً، بينما نقلت صحيفة «هآرتس» العبرية، عن شهود عيان، قولهم إن منفّذ عمليّة حوارة فلسطيني كان يرتدي زيّ «عرين الأسود»، وقد انسحب من مكان الحادث بعد إطلاق النار.
وافق أقطاب «الصهيونية الدينية» على طرْح مشروع قانون عقوبة الإعدام لمنفّذي العمليّات الفدائية


وعقب العملية، هرعت قوات إسرائيلية إلى البلدة بحثاً عن المنفّذين، فيما أَغلقت عشرات الحواجز محيط نابلس وقراها، وسط انتشار للمستوطنين الذين هاجموا بلدتَي بورين وحوارة حيث أحرقوا منازل لفلسطينيين. وعلى خلفيّتها أيضاً، فرض جيش الاحتلال حظْر تجوال في البلدة، تبعه تحريض من قِبَل قادة المستوطنين لشنّ هجوم كاسح ضدّ الفلسطينيين والانسحاب من «قمّة العقبة». وقال رئيس «مجلس مستوطنات شمال الضفة»، يوسي دغان، في تعليقه على العمليّة، إنه «لسوء الحظّ، هذا حدث صعب للغاية، يجب على الحكومة تغيير الطريقة والانتقال من الدفاع إلى الهجوم، لا يمكن التسامح مع إطلاق النار على المدنيين الأبرياء في وضح النهار، شراسة الإرهاب تثبت عدم وجود رادع»، مطالباً الوفد الإسرائيلي في «قمّة العقبة» بالانسحاب. وفيما عقد وزير الأمن، يوآف غالانت، اجتماعاً أمنيّاً لتقييم الأوضاع، وشارك رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الاطّلاع على آخر مستجدّات العملية، قال وزير «الكابنيت»، يسرائيل كاتسظن إن «عمليّة حوارة وقعت خلال انعقاد قمّة العقبة، وهذا هجوم إرهابي خطير»، بينما رأت وزيرة الاستيطان، أوريت ستروك، أن العملية «تتطلّب عودة فوريّة للوفد الإسرائيلي من قمّة العقبة، لا مكان في القمّة لمَن يدفع رواتب لقتلة اليهود، بعد ثلاثين عاماً من اتفاقية أوسلو المؤسفة، يجب أن نفهم أن السلطة الفلسطينية هي المشكلة وليست الحلّ، سنجري الاستعدادات لرمضان بأنفسنا، ومن دون مساعدة أحد».
وفي ضوء التصعيد المتفجّر في الأراضي الفلسطينية، تأتي عملية حوارة لترسّخ معادلة «الدم بالدم»، و«القتل بالقتل»، وأن المجازر الإسرائيلية التي تُرتكب لن تمرّ مرور الكرام، وأن قطار المقاومة الذي انطلق في الضفة الغربية يبدو أن أحداً لن يستطيع وقفه. ومرّة جديدة، أثبتت عملية حوارة مستوى الفشل الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي؛ فجيش الاحتلال وأجهزته التي تعيش حالة استنفار عالية منذ مجزرة نابلس تحسّباً لوقوع عمليّات فدائية، أُصيبت في مقتل بعد العمليّة التي شكّلت ضربة جديدة لحكومة نتنياهو وأقطاب «الصهيونية الدينية»، الذين سارعوا إلى الإعلان عن موافقتهم على طرح مشروع قانون عقوبة الإعدام لمنفّذي العمليّات الفدائية في اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، في خطوة لن تزيد الأوضاع إلّا اشتعالاً.