في مؤشّر إضافي إلى تعثّر مقترح حلّ الأزمة الذي تَقدّم به الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، يبدو ائتلاف «معسكر المؤمنين» الفاشي، ماضياً إلى نقطة النهاية في تطبيق خطّة وزير القضاء، ياريف ليفين، والتي يراها المعارضون «انقلاباً قضائياً». إذ طبقاً لِما كشفته الإذاعة العامّة الإسرائيلية، «كان»، فإن حكومة بنيامين نتنياهو تعتزم التعجيل في المصادقة على تشريعات «الإصلاح القضائي»، وذلك من خلال الدفع بشقَّيها بالتوازي في «الكنيست»، خلال الأسبوع المقبل. وخلافاً للأجواء «الإيجابية» التي سادت أوّل من أمس، والتي صدّرتها وسائل الإعلام بوصفها دليلاً على احتمال التوصّل إلى تسوية، أعلن ليفين، ومعه رئيس لجنة القانون والدستور في «الكنيست»، سيمحا روتمان، معارضتهما الشديدة لمقترح هرتسوغ. ومِثلهما فعل قادة معسكر المعارضة الذين عادوا إلى اشتراطهم سحْب التشريعات قبل الدخول في مفاوضات حول «الإصلاح القضائي». وفي هذا الإطار، اعتبرت رئيسة حزب «العمل» المعارض، ميراف ميخائيلي، أن مبادرة الرئيس «لا علاقة لها بما يحدث في لجنة القانون والدستور. هذه مِصيدة، ويُحظر في أيّ حال من الأحوال منْح المعارضة شرعية لنتنياهو كي يحطّم الديموقراطية الإسرائيلية». ولفتت إلى أن «هذه الحكومة ترفض وقْف التشريعات. هذا واضح جدّاً، وإجاباتهم واضحة طوال الوقت. وهي تسير إلى الأمام بسرعة كبيرة من خلال «D9» (جرافة عسكرية) تصفّي وتدمّر وتهدم. وبالأمس فقط، مرّروا قانوناً فاسداً يسمح لنتنياهو بتلقّي تبرّعات، وأوّل من أمس مرّروا قانوناً يمنع إدخال خبز مخمّر إلى المستشفيات. فمع من يجب أن نتحدّث؟».بدورهم، أكد قياديون من حزب «الليكود»، الذي يتزعّمه نتنياهو، أنه «لا يوجد توافق واسع»، واصِفين التقارير حول تسوية محتمَلة بأنها «خديعة». كما جزم مصدر رفيع من الحزب ذاته، في حديث نقلتْه عنه صحيفة «هآرتس»، أنه «لن يكون هناك توافق في الأيام القريبة؛ إذ إن ليفين يريد التحدّث عن تسويات في الدقيقة التسعين»، في إشارة إلى أنه يماطل لكسب الوقت، قبل المصادقة على بنود الخطّة بالقراءتَين الثانية والثالثة لكي تصبح نافذة وغير قابلة للرجوع عنها. واعتبر المصدر أن «(هرتسوغ) يسهم في هذه المماطلة أيضاً». وتَقاطع ذلك مع ما كشفته «كان» من أن «الكنيست» سيشهد الأسبوع المقبل مداولات بشأن الشقّ الثاني من خطّة «الإصلاح القضائي» تمهيداً للتصويت عليه بالقراءة الأولى، علماً أن هذا الجزء متّصل بالرقابة القضائية وبند «التغلّب» الهادف إلى وضْع السلطة القضائية في مكانة أدنى من تلك التشريعية، بحيث لا تتمكّن الأولى من إلغاء قوانين سَنّتْها الثانية. وفي الوقت نفسه، ستعيد «لجنة القانون والدستور» التباحث في الشقّ الأوّل المتعلّق بتغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة ومنْع «المحكمة العليا» من إلغاء قوانين أساس أو تعديلات فيها، تمهيداً للتصويت عليه بالقراءتَين الثانية والثالثة.
في هذا الوقت، ذكرت «كان» أن الأطراف المنخرطة في محادثات التسوية، أبدت موافقتها على «قانون درعي 2»، الذي صودق عليه بالقراءة التمهيدية ويقضي بمنع «العليا» من التدخّل في تعيين وزراء، بعدما ألغت الأخيرة تعيين رئيس حزب «شاس»، أرييه درعي، وزيراً، بسبب إدانته بمخالفات قانونية. وفي المقابل، يبدو نتنياهو، بحسب مصادر في «الليكود» تحدّثت إلى صحيفة «هآرتس»، «معنيّاً بالتسوية، غير أن وزير القضاء يعارضها بشدة، وقد هدّد الأخير بالاستقالة في حال وقْف التشريعات أو التنازل عن مبادئ الخطّة الأساسية»، فيما حذّر، أوّل من أمس، من أن مقترح هرتسوغ «يفرّغ الإصلاح القضائي من مضمونه». ولم يكن قادة المعسكر المُعارض أقلّ حدّة؛ إذ عارض هؤلاء مبادرة الرئيس، بوصفها «مفتاح الدخول إلى الديكتاتورية»؛ إذ بحسبهم «سيحصل ليفين وسموتريتش وروتمان ونتنياهو على كلّ ما يريدون: محكمة سياسية، محكمة عليا مكبَّلة، حكومة محصَّنة من أيّ انتقاد، وجهاز قضاء مكبَّل»، بينما «يتلقّى ملايين المناضلين منذ شهرَين من أجل الديموقراطية في إسرائيل بصقة في الوجه». وعليه، خلص هؤلاء إلى أنه خلافاً للتعهّدات المعلَنة، «اتّخذ الرئيس خطوة أحادية الجانب في غرفة مظلمة، عارضاً مقترحاً لديكتاتورية أخرى»، مؤكدين «(أنّنا) لن نَقبل بذلك، وسنستمرّ في الكفاح».
بالتوازي مع ذلك، اتّسعت رقعة «عدوى الاحتجاج» في صفوف قوّات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، بانضمام ضبّاط وجنود من وحدات قتالية نخبوية مختلفة، بينها سرية لواء «جولاني» ووحدة «إيغوز» ووحدة «جبال الألب» التي تتواجد في هضبة الجولان السوري المحتلّ، إلى تلك الموجة، طبقاً لِمَا أوردته «القناة 13» الإسرائيلية، فيما ذكرت «كان» أن الوحدة النخبويّة، «راكب السماء»، في سلاح المدفعية، اتّخذت خطوة مماثلة. ووقّع هؤلاء عريضة جاء فيها: «لن نسمح لخطوات الاستقواء والفساد بالسيطرة على الدولة حتى فقدانها. لقد تربَّينا على رصد العدو، حتى ذلك الداخلي والذي يتنكّر لـ»أخ»: أخ يأكل بالمجّان، وثانٍ يتهرب، وثالث عاطل عن العمل، فيما يرسلنا نحن أو أولادنا إلى دفع الضرائب والقتال، كي نصاب ونموت من أجله وبدلاً منه». وأضافوا: «تَعلّمنا أيضاً رصْد العدو الفاسد، النتن، الذي يكذب من دون استحياء، والذي من أجل مصلحته الشخصية ومصلحة تولّيه المنصب والمال والقوة، لن يتردّد في توجيه السفينة كلّها إلى الآلام والموت». وتابعوا: «لسنا رافضي الخدمة، وبالإمكان العثور بسهولة على رافضي الخدمة الحقيقيين في الحكومة، وبين ناخبي شاس ويهدوت هتوراة (الأحزاب الحريدية التي ترفض الخدمة في الجيش للتفرّغ لدراسة التوراة)... وجدير برئيس الدولة ورئيس هيئة الأركان العامّة وأيّ أحد لم يستيقظ بعد على فوهة الهاوية، أن يتعقّل ويدرك حجم الأمور». كما تعهّدوا بـ«نضال قانوني بكلّ قوّة ضدّ الحكومة، بدءاً من رأسها وشركائه الكاملين في صُنع القرار والتأثير - زوجته ونجله (في إشارة إلى نتنياهو) -، مروراً بمُنفّذي أوامره وزمرته وقطيع الأبواق التابع له في وسائل الإعلام، وليس انتهاءً بمعبد الصامتين المخزي الذي يحيطه بوجل في الكنيست والحكومة والمحكمة». وختموا بأنه «طالما استمرّت التشريعات الديكتاتورية والمنهجية، التي هدفها الوحيد إنقاذ مجرم من السجن (نتنياهو) وتحييد جميع مؤسّسات الدولة وحرّاس العتبة، لن نخدم، ولن نتطوّع أو نخاطر بحياتنا وحياة أولادنا بأيّ شكل، ولن نمتثل من أجل تنفيذ أوامر محتالين مجرمين فاسدين وطفيليات، يقفون من خلْف الانقلاب على طبيعة النظام».