لا يقتصر التحدّي الذي تُواجهه حكومة بنيامين نتنياهو، في علاقاتها مع الخارج «الصديق» لها، على ردود الفعل الغربية، والأميركية تحديداً، إزاء مشروع التغييرات في النظام القضائي والإخلال بمعادلة التوازن القائمة بين مؤسّسات النظام السياسي الإسرائيلي. فما يزيد الطين بلّة بالنسبة إليها، وجود وزراء فيها يجاهرون بحقيقة رؤاهم الأيديولوجية، متجاهلين معادلات البيئات الثلاث، الداخلية والإقليمية والدولية. وتجلّى آخر وجوه تلك المجاهرة في مواقف وزير المالية والوزير في وزارة الأمن، بتسلئيل سموتريتش، في مؤتمر عُقد في باريس، حيث زعم أنه «لا يوجد شعب فلسطيني»، داعياً إلى قيام «أرض إسرائيل الكبرى» بما يشمل الأردن، قائلاً إنه يتوجّه بهذه «الحقيقة» - كما سمّاها - إلى «الفلسطينيين وأيضاً اليهود المرتبكين قليلاً وقصر الإليزيه والبيت الأبيض. يجب أن يسمع ذلك العالم كلّه». والواقع أن جانباً من الترجمة العملية لتلك الرؤية، كان انعكس في قرار «الكنيست» إلغاء قانون «فكّ الارتباط» الذي يمنع دخول وتواجد المستوطنين في مناطق في شمال الضفة، وتمّ بموجبه إخلاء أربع مستوطنات هناك عام 2005.دفعت هذه المواقف والخطوات، وزارة الخارجية الأميركية إلى استدعاء السفير الإسرائيلي في واشنطن، مايك هرتسوغ، وإصدار بيان أشارت فيه إلى أن نائبة وزير الخارجية، ويندي شيرمان، عبّرت لهرتسوغ عن «قلق الولايات المتحدة بخصوص التشريع الذي صادق عليه الكنيست». وإذ أكّد مصدر إسرائيلي مطّلع مضمون اللقاء، بحسب موقع «واللا»، فهو استدرك بأنه «لا توجد أزمة، وإنّما هذا لقاء هدفه نقْل رسالة». لكن نائب المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، وصف تعديل قانون الإلغاء بأنه «استفزازي ويؤدّي إلى نتائج عكسية» لجهود استعادة الهدوء، لافتاً إلى أن واشنطن «منزعجة للغاية» من هذه الخطوة، متوجّهاً إلى تل أبيب بالقول إن «الولايات المتحدة تحثّ إسرائيل بشدّة على عدم السماح بعودة المستوطنين إلى المنطقة التي يشملها القانون، بما يتّفق مع التزام رئيس الوزراء السابق (أرييل) شارون والحكومة الإسرائيلية الحالية للولايات المتحدة».
«معهد أبحاث الأمن القومي»: يجب إعطاء الأهمّية القصوى والأولوية للحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة


ولعلّ أهمّية تلك التعليقات تنبع من تزامنها مع الإنذار الاستراتيجي الذي أطلقه «معهد أبحاث الأمن القومي» الإسرائيلي قبل يومين، ومفاده أن المسار الذي دخلتْه إسرائيل سيلحق أضراراً بالعلاقات مع الولايات المتحدة و«مكانة إسرائيل الدولية». ويذكّر الباحث في المعهد، إلداد شابيط، في التقرير الأحدث، بأن «الأمن القومي الإسرائيلي استند على مرّ السنوات، من بين أمور أخرى، إلى العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة، وأنه حتى لو نشأت خلافات، فإن البلدَين يتفهّمان بعضهما البعض ويحترم كلّ منهما مصالح الآخر. ونتيجة ذلك، حرصت الإدارات الأميركية، الديموقراطية والجمهورية على السواء، على التمسّك بممارسة الالتزام بـ"أمن ورفاهية" إسرائيل». ومن هنا، تَبرز أهمّية عدم المبالغة في تقدير تداعيات التوتّر الحالي، والتي ستبقى مسقوفة بثوابت «الأمن القومي» لإسرائيل وتفوّق الأخيرة النوعي. لكن ذلك لا يمنع شابيط، الذي تولّى سابقاً منصب مساعد رئيس وحدة الأبحاث والتقدير في الاستخبارات العسكرية «أمان»، من التحذير من أن «الإضرار بالقيم المشتركة مع الجانب الأميركي، والتصرّف ضدّ المصالح المباشرة للولايات المتحدة، يمكن أن يقوِّضا العلاقة الحميمة بين الطرفَين، لا سيما في هذه الفترة الحسّاسة، حيث تتطلّب التحدّيات الأمنية، خاصة في مواجهة إيران التي تُواصل تعزيز برنامجها النووي»، تنسيقاً عالي المستوى.
وعليه، يشدّد شابيط على أنه «حتى لو كان على إسرائيل واجب حماية ما تَعتبره هامّاً لأمنها القومي، فإنه في الفترة المقبلة، يجب إعطاء الأهمّية القصوى والأولوية للحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة، وقبْل كلّ شيء للقدرة على الحفاظ على علاقات جيّدة بين قادة البلدَين»، محذّراً من أن «الإدارة الأميركية لن تتردّد في الردّ بتحفّظ وانتقاد، إذا رأت أن إسرائيل تتصرّف بمعارضة تامّة للقيم الأساسية والمصالح المشتركة، وبالتأكيد إذا تراجعت عن وعودها في ما يتعلّق بالساحة الفلسطينية». ويبيّن الباحث الذي كان مسؤولاً في الاستخبارات العسكرية ومكتب رئيس الحكومة عن بلورة التقديرات الاستخبارية في القضايا الإقليمية والدولية، أن «ردّة الفعل الأميركية يمكن أن تشمل الانتقادات العلنية، والتآكل الفعلي للدعم الذي تتلقّاه إسرائيل من الولايات المتحدة في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية»، مضيفاً أن «سلوكيات إسرائيل وخصائص العلاقة بين البلدَين ستكون ذات أهمّية كبيرة حتى على المدى الطويل، في ضوء التحوّلات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية الجارية في الولايات المتحدة، ولو لم يكن بعضها مرتبطاً بشكل مباشر بإسرائيل، حيث قد تساهم في تآكل الالتزام الأميركي طويل الأمد تجاه الأخيرة». وينبّه إلى أن «تجاهُل هذه المخاطر قد يكون كارثياً على المصالح الإسرائيلية، إذ من المحتمل أن تضرّ عاجلاً أم آجلاً بالعلاقة الخاصة بين الدولتَين».