رام الله | من الضفة الغربية والقدس المحتلّتَين، إلى الداخل الفلسطينيّ المحتلّ عام 48، تتّسع رقعة الغضب، وسط استمرار جرائم العدو الإسرائيلي. غضبٌ يُتوقّع أن ينفجر، خلال الأسبوع الجاري، على شكل مواجهات واشتباكات ميدانية، نظراً إلى مخطّطات الجمعيات الاستيطانية لتنفيذ اقتحامات واسعة في المسجد الأقصى، تزامناً مع عيد الفصح، والتهديد بذبح القرابين في ساحاته. ويعيش الداخل المحتلّ، منذ يوم الجمعة الماضي، حزناً ممزوجاً بالغضب، على خلفية اغتيال الطبيب محمد خالد العصيبي، أمام أبواب «الأقصى»، فيما عمّ الإضراب الشامل البلدات والمدن المختلفة، فضلاً عن خروج تظاهرات تزامنت مع جنازة الشهيد العصيبي، والتي تحوّلت بدورها إلى تظاهرة جماهيرية حاشدة، ضدّ سياسات الاحتلال والقمع والتمييز العنصري. ورداً على هذه الجريمة، تكثّفت الدعوات في الداخل المحتلّ، خلال الساعات الماضية، لشدّ الرحال والاعتكاف داخل المسجد حتى نهاية شهر رمضان، في ظلّ المخطّط الذي يُعدّه المستوطنون، ووسط مخاوف إسرائيلية من اشتعال الأوضاع في الأراضي المحتلّة، على غرار ما جرى عام 2021، إبّان معركة «سيف القدس»، وتَحسُّب الفلسطينيين لسياسات حكومة اليمين المتطرّف، والتي كان آخرها قرار إنشاء ميليشيا «الحرس القومي» تحت قيادة إيتمار بن غفير.

وعلى وقع الغضب في الداخل المحتلّ، تبقى الأنظار شاخصة نحو مدينة القدس، حيث تتزايد همجية قوات الاحتلال وشراستها للحيلولة دون تشكيل أيّ نواة مقاومة لمواجهتها، إذ أفاد «مركز معلومات وادي حلوة» بأن هذه القوات اعتقلت 230 مقدسيّاً خلال الشهر الماضي، وأَصدرت 70 قرارَ إبعاد عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة، فيما نفّذت أكثر من 80 عملية اعتقال من «الأقصى» والطرق المحيطة به، وشوارع القدس، إضافةً إلى اعتقالات من حي الشيخ جراح، بينما جرى تحويل ستة مقدسيّين إلى الاعتقال الإداري، خلال آذار الماضي. وبدأت «منظّمات الهيكل» حشْد أنصارها لتنفيذ اقتحامات جماعيّة للحرم القدسي، بعدما وزّعت دعوات متتالية إلى جمهورها للاستعداد للاقتحام، كما دعت إلى إحضار قرابين حيوانية، مساء الأربعاء المقبل، فيما كشفت مصادر عبرية أن هذه المنظّمات ستقيم تدريبات للحدث السنوي على تقديم قربان «عيد الفصح» اليهودي، بالقرب من المسجد الأقصى، وسيتمّ خلالها ذبح عنزة صغيرة وسلخها وتقديمها من أجل تدريب المستوطنين استعداداً لتقديم القربان الحقيقي، وهو ذبح قربان «عيد الفصح» في الحرم عشيّة العيد. وفي هذا الإطار، قالت صحيفة «هآرتس»: «كما هي الحال في كل عام، هناك من يَبذل قصارى جهده لإثارة الاستفزازات في البلدة القديمة، حيث تم توزيع الإعلانات التي تعرض مكافآت مالية: 150 دولاراً لمَن يتمّ إيقافه وهو يحاول إدخال القربان إلى الأقصى، و330 دولاراً لمَن يتمّ إيقافه وهو يحمل قرباناً خارج المسجد، و690 دولاراً لمَن يتمّ إيقافه مع قربان داخل الأقصى، و5550 دولاراً لمَن ينجح في ذبح القربان في منطقة المسجد».
وكان 15 حاخاماً قد وجّهوا رسالة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، طالبوا فيها بالسماح للمستوطنين بذبح قرابين «عيد البيسح» لهذا العام في المسجد الأقصى، وهي خطوة أشعلت الإنذار الأحمر لدى الفلسطينيين، الذين بدأوا الاستعداد للتصدّي للمستوطنين؛ إذ دعت القوى الوطنية والإسلامية إلى أن تكون ليلة الرابع من نيسان «ليلة غضب للقدس»، واعتبار يوم الخامس منه «يوم عصيان شعبي»، والاحتشاد في داخل «الأقصى» وفي كلّ حيّ وشارع وساحة من ساحات القدس، للتصدّي لكلّ أشكال الإرهاب الإسرائيلي وأدواته، و«لتصبح كلّ باحة من باحات الأقصى، وكلّ بوابة من بواباته العصيّة على الإرهاب، موقعاً لمواجهة المستوطنين، وتوسيع حالة الاشتباك مع الاحتلال في كل بقعة من بقاع الوطن».

ارتفعت المخاطر من تنفيذ المستوطنين مخطّطاتهم في الحرم القدسي، نظراً إلى الدعم الذي يوفّره لهم قادة اليمين


وارتفعت المخاطر من تنفيذ المستوطنين مخطّطاتهم في الحرم القدسي، نظراً إلى الدعم الذي يوفّره لهم قادة اليمين الفاشي (نتنياهو وبن غفير وسموتريتش)، إذ حذّر خطيب «الأقصى»، الشيخ عكرمة صبري، أول من أمس، من «مكيدة كبيرة» يُدبّرها الاحتلال والمستوطنون لاستهداف المسجد المبارك، تزامناً مع ما يسمّى «عيد الفصح العبري»، في ظلّ التهديد المتواصل باقتحامه يوم الأربعاء المقبل وتقديم القرابين، لافتاً إلى أن جماعات المستوطنين «تتجاوز حدودها أكثر، وبدأت بالمطالبة باقتحام الأقصى من جميع الأبواب، لتأكيد سيطرتها عليه»، معتبراً أن الدعوات إلى «ذبح القرابين» والسماح للمستوطنين بذلك، يشيران إلى عدوان جديد وخطير من قِبَل المستوطنين المتطرّفين. ولا يمكن فصل الاعتداءات الصهيونية على «الأقصى»، عن حدّة التوتّر المتصاعد في الضفة الغربية وتنفيذ العمليات الفدائية. وبمعنى آخر، فإن الاقتحامات والاعتداءات هذه، بحسب التقييمات الأمنية، تمثّل سبباً لتنفيذ عمليات فدائية، والتي كان آخرها مساء السبت، حين نُفّذت عمليّة دهس بالقرب من بلدة بيت آمر في محافظة الخليل، وصفتْها مصادر عبرية بـ«الصعبة»، وخلّفت ثلاث إصابات في صفوف جنود الاحتلال، اثنتان منها خطيرة، ما دفع جيش العدو إلى تعزيز حالة التأهُّب القصوى في المناطق، بينما استشهد المنفّذ، وهو العسكري محمد برادعيه من مدينة الخليل. ويترافق مع حالة التأهُّب والخشية من تنفيذ عمليّات فدائية، قرار جيش الاحتلال فرْض إغلاق تام على الضفة الغربية وقطاع غزة، اعتباراً من الأربعاء، حتى يوم الجمعة، كما سيتمّ فرْض إغلاق آخر خلال عطلة عيد الفصح الثانية.
وعلى وقْع العملية الفدائية في الخليل، لا تزال المعطيات الأمنية والإنذارات بوقوع عملية أخرى، ساخنة لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بالتزامن مع استمرار عمليّات إطلاق النار على مستوطنات الاحتلال وحواجزه العسكرية، وتحديداً في مناطق شمال الضفة، بينما تشهد المدن والبلدات الفلسطينية، يوميّاً، اشتباكات مسلّحة مع قوات الاحتلال خلال اقتحاماتها، كان آخرها في بلدة قباطية في محافظة جنين التي عاشت اشتباكات عنيفة فجر يوم أمس. كذلك، شهدت أعمال المقاومة في الضفة، بما فيها القدس، خلال آذار الماضي، استمراراً في الوتيرة وتنوّعاً في الأداء، ما بين عمليّات إطلاق نار واشتباكات مسلّحة وعمليّات دهس وطعن مؤثرة، أدّت إلى مقتل إسرائيليَّين، وإصابة 25 جنديّاً اًومستوطناً بجروح مختلفة، فيما استشهد 26 فلسطينيّاً. وبلغ مجموع العمليات التي جرى رصْدها، خلال الشهر الماضي، 1055 عملاً مقاوماً، بينها 143 عمليّة إطلاق نار واشتباك مسلّح مع قوات الاحتلال، نُفّذت 54 منها في جنين، و46 في نابلس.
ولا يقتصر التصعيد الأمني على الضفة الغربية والداخل المحتلَّين؛ إذ يعيش جيش العدو حالة تأهُّب عالية المستوى شمال فلسطين المحتلّة، وخصوصاً بعد عمليّة «مجدو» واستمرار طائرات الاحتلال في شنّ غارات على أهداف في سوريا، في ظلّ تزايد التقديرات حيال وقوف «حزب الله» وجهات لها علاقة بـ«الحرس الثوري» الإيراني، وراء العمليّة. وبحسب المحلّل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، فإنّ «تزايد الهجمات ضدّ أهداف إيرانية في سوريا، من شأنه أن يدلّ على ضلوع الحرس الثوري في الأحداث الأخيرة»، وبينها تفجير مجدو، في 13 آذار الفائت، والذي قال جهاز الأمن الإسرائيلي إن منفّذه تسلَّل من لبنان، وقتلتْه قوات خاصّة في الشرطة الإسرائيلية و«الشاباك» في اليوم التالي، عندما حاول العودة إلى لبنان. وأضاف هرئيل بأن «إسرائيل قلقة، في الفترة الأخيرة، من ضلوع متزايد لإيران في جهود لتنفيذ عمليّات مسلّحة ضدّها. ونقل الحرس الثوري، إلى جانب حزب الله، مالاً إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية بهدف تشجيعهم على تنفيذ عمليّات فدائية»، مع تزايد التقديرات بوجود تنسيق عالي المستوى بين الفصائل الفلسطينية و«حزب الله»، ووجود قرار لدى الأخير بالسماح للفصائل بحريّة العمل العسكري في جنوب لبنان، وخاصّة في حال اندلاع مواجهة في الأراضي الفلسطينية.