بدأت المقاومة ردّها على جريمة اغتيال قادة «سرايا القدس» وعائلاتهم، بعد صمتٍ استمرّ نحو 33 ساعة متواصلة، كان على ما يبدو مساحة استُغلّت لترتيب الصفوف والتفاهم على شكل الردّ وطبيعته وأهدافه. في حدود الساعة الرابعة من بعد ظهر أمس، أعلنت «غرفة العمليات المشتركة» بدء عملية «ثأر الأحرار» التي أُطلقت خلالها المئات من الصواريخ على مدى تجاوز الـ 80 كيلومتراً. عمليةٌ يبدو أن المقاومة تريد من خلالها تثبيت مجموعة من الخطوط الحمر، على رأسها منع سياسة الاستفراد، التي بدأت باغتيال قائد لواء غزة والشمال في «سرايا القدس»، بهاء أبو العطا، في 2019، وتَكرّر اللجوء إليها مرّتَين حتى عملية الاغتيال الأخيرة. وتلفت مصادر في المقاومة، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن القراءة في جريمة تصفية ثلاثة من قادة «السرايا»، ستكون مغايرة لكلّ ما حدث خلال السنوات الأربع الماضية. إذ إن انحصار الردّ بحركة «الجهاد الإسلامي» في عامَي 2019 و2022، فتح شهية الاحتلال على تكرار السيناريو نفسه اليوم؛ إلّا أن المقاومة تعتقد أن قادة الصفّ الأول من القيادة العسكرية التاريخية لـ«الجهاد»، دفعوا حياتهم ثمناً لرعاية حالة الاشتباك الناشئة في الضفة، فيما لم تبادر الحركة منفردة منذ معركة «وحدة الساحات» في آب 2022، إلى تنفيذ أيّ عمل من القطاع، من دون إجماع فصائلي.
كذلك، تدرك المقاومة أن اغتيال القيادي طارق عز الدين، ومعه الحاج جهاد غنام، اللذين تَكرّر اسماهما خلال العام الماضي عبر الإعلام الإسرائيلي في سياق اتّهامهما بالضلوع في أدوار محورية في تنظيم وبناء خلايا المقاومة في جنين وطوباس ونابلس، إنّما هو رسالة إلى قيادة الظلّ في «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، التي أعلنت، منذ مطلع العام الجاري، مسؤوليّتها بشكل رسمي عن ثلاث عمليات تسبّبت بوقوع خسائر بشرية في طرف الاحتلال في حوارة وأريحا. وإذ يدير الذراع العسكري لحركة «حماس» خلاياه من اتّجاهَين، أحدهما هو الخارج، والآخر هو قطاع غزة، الذي لا غنى عنه في رفد خلايا المقاومة الناشئة بالخبرات والأموال، فإن العلّة التي اغتيل بسببها قادة «سرايا القدس» ما زالت قائمة، أي أن سياسة الاغتيالات ستفرغ من قيادات «الجهاد»، وستتحوّل منطقياً إلى الفواعل ذوي الصلة بملفّ الضفة، والذين ينتمون إلى مختلف فصائل المقاومة، بما فيها «كتائب القسام».
لذا، فإن الردّ الحاصل حالياً يراد منه تحقيق جملة من الأهداف، أوّلها تفريغ المنجز الإسرائيلي من مضمونه، بمعنى، أن يكون قاسياً على الصعيد المعنوي، ومؤثّراً على الجبهة الداخلية للاحتلال، بما يكفل ردع الأخير عن منهجية الاستفراد بقادة المقاومة من أيّ فصيل، ولا سيما الجهاد. كما يراد له أيضاً أن يرمّم الشرخ الذي تركته جولتا 2019 و2022 بين حركتَي «الجهاد» و«حماس». وإذ لا يزال حجم الرد وحَدّه غير واضحَين تماماً إلى الآن، فإن مصادر في المقاومة تؤكّد، لـ«الأخبار»، أن «غرفة العمليات المشتركة قرّرت المضيّ في ردّها، بمعزل عن ردّة الفعل الإسرائيلية»، مضيفةً إن «مكوّنات العمل المقاوم توافقت على أن هذه الجولة ستحدّد مستقبل قواعد الاشتباك مع الاحتلال، وأن إنهاءها من دون منجز ميداني كبير سيفتح الباب أمام جولات أخرى، ستكون غزة فيها ساحة الردّ الإسرائيلي على كلّ منجز يمكن أن تحقّقه المقاومة في الضفة».