انتهت تسعة أعوام من المطاردة على الشاكلة التي ظلّ ينتظرها طوال مسيرته الجهادية التي امتدّت لأكثر من ثلاثة عقود. في مطلع التسعينيات، كان علي حسن أبو غالي قد التقى بصديقه ورفيق دربه خالد منصور، ومذّاك، انخرط في صفوف حركة «الجهاد الإسلامي»، مشاركاً في فعالياتها الجماهيرية وأنشطتها التعبوية، فيما حملت بدايات الانتفاضة الثانية عام 2000، أوّل مشاركة فعلية له في صفوف «سرايا القدس»، عندما باع مصاغ زوجته لشراء السلاح. ولد أبو غالي (50 عاماً) في حيّ الأمل في مدينة خان يونس في قطاع غزة، وفي مدارسها أكمل دراسته حتى أنهى المرحلة الثانوية من «مدرسة هارون الرشيد»، قبل أن يلتحق بـ«جامعة الأقصى» ويحصل منها على درجة البكالوريوس في تخصّص علم الاجتماع.في «الجهاد»، عُرف والد الأطفال الثلاثة بأنه رفيق درب قائد لواء الجنوب السابق، الشهيد خالد منصور، وظلّه وشقيق روحه، إذ ظلّ لصيقاً به طوال سنوات جهاده. «كان ذراعه اليمنى وأمين سرّه»، يقول مصدر في «سرايا القدس» لـ«الأخبار»، مضيفاً: «عاش معه منذ منتصف الانتفاضة الثانية حلم تطوير الوحدة الصاروخية، سافر إلى إيران وسوريا، تلقّى التدريبات وعاد إلى القطاع ليصقل مهارات إخوانه العسكرية، وعلى يديه، أضحت الوحدة الصاروخية العاملة في سرايا القدس، القوة الأكثر تأثيراً ورسوخاً في الميدان». وكان كلّفه منصور بمنصب نائب مسؤول الوحدة الصاروخية العامّة عام 2010، لِما حملته شخصيته من سمات؛ فهو «صامت وهادئ ومتواضع، قليل الظهور، يعطي للعمل وتطويره جُلّ وقته بلا كلل أو ملل». وفي العام 2012، شارك بيديه في تربيض وتذخير وإطلاق صواريخ «فجر» الإيرانية، لأوّل مرّة، تجاه تل أبيب، ردّاً على اغتيال القائد أحمد الجعبري. وفي أعقاب اغتيال القيادي منصور، كُلّف «رجل الظلّ الهادئ» بقيادة الوحدة الصاروخية العامة، وأصبح عضواً في المجلس العسكري العام لـ«سرايا القدس». وفي خلال جولة أوّل من أمس الأربعاء، برزت بصماته واضحةً في الميدان، إذ استطاعت المقاومة، على نحو نوعي، إغراق المستوطنات والمدن الإسرائيلية بمئات الصواريخ في لحظة واحدة.
كان رفيق درب قائد لواء الجنوب السابق، الشهيد خالد منصور، وظلّه وشقيق روحه


نجا أبو محمد من محاولتَي اغتيال، ثانيتهما كانت في خلال معركة «وحدة الساحات» في آب 2022، علماً أنه أضحى مطلوباً لقوات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2014، حينما برز دور الوحدة الصاروخية اللافت في حرب الخمسين يوماً. كما اعتقلت سلطات العدو شقيقه محمد في العام 2002، وحكمت عليه بالسجن 25 عاماً بتهمة المشاركة في تنفيذ عمليات فدائية. يقول صديقه خليل القصاص، في حديثه إلى «الأخبار»: «أبو محمد رجل هادئ جدّاً، متواضع إلى أبعد مدى، أمني من الطراز الرفيع، يحسب خطواته وتنقّلاته جيداً، كُنّا لا نراه ولا نلتقيه إلّا في المناسبات الاجتماعية التي يحرص على حضورها، كان يدرك دائماً أنه على موعدٍ قريب مع الشهادة، لأن من ينتمي إلى هذا الخطّ وهذه الحركة، يعلم أن دماءه هي الوقود الذي يسير به قطار المقاومة».
في تمام الساعة الواحدة والنصف من فجر الخميس، كان «أبو محمد» على موعدٍ مع الشهادة، بالطريقة نفسها التي قضى بها رفاقه خليل البهتيني وطارق عز الدين وجهاد غنام. إذ أطلق جيش العدو قنبلتَي «جي بي يو 39» تجاه شقّة كان يقطنها في مدينة حمد شرقي مدنية خان يونس جنوب قطاع غزة، ليستشهد عضو المجلس العسكري لـ«السرايا»، رفقة شقيقه محمود، وابن شقيقته محمد عبد الجواد منصور. مضى موكب التشييع المهيب شاقّاً شوارع المدينة، فيما في السماء، كانت الصواريخ وقذائف الهاون ترسم مشهدية التضحية والعناد، والتي لم تفتّ من عزمها التهديدات الإسرائيلية.