لم يتوقّف الاستثمار الإسرائيلي في محاولة عزل حركة "الجهاد الإسلامي" عن فصائل المقاومة الأخرى أوّلاً، ثمّ تعريتها جماهيرياً ثانياً. صباح أمس، أفردت قناة "مكان" الإسرائيلية الناطقة بالعربية، مساحة واسعة، رصدت فيها تعليقات نشطاء في حركتَي "حماس" و "الجهاد الإسلامي" عبر مواقع التواصل، مسلّطةً الضوء على كون كلّ طرف منهما يتّهم الآخر إمّا بالتخاذل أو بالمغامرة وعدم المسؤولية. غير أن ظُهر اليوم ذاته، شهد دخولاً مباشراً للإعلام العسكري التابع لـ"القسام" على خطّ الجولة، توازياً مع مواصلة "غرفة العمليات المشتركة" التابعة لفصائل المقاومة، تأكيدها أنها تمكّنت من إدارة الجولة بشكل موحّد، وإفشال مخطّط الاستفراد بـ"سرايا القدس". مع ذلك، واصل المستويان السياسي والأمني في إسرائيل، العزف على وتر تحييد "حماس"، وعزّزا في تسريباتهما رواية عزوف الأخيرة عن المشاركة في جولة التصعيد، بل ذهب الإعلام العبري الموجّه إلى ما هو أبعد، بتلويحه ببدء الضغط على "حماس" لتتولّى هي وقف الاستنزاف الذي تمارسه "الجهاد" لـ"الطرفَين". في المقابل، تبدي الجبهة الداخلية الفلسطينية تماسكاً ووحدة، استطاعت من خلالهما تجاوز الخلاف الذي صنعته "وحدة الساحات" في آب 2022، فيما بدا واضحاً أن "الجهاد" لم تحاول الاستئثار بالمشهد، وإنّما ظلّت تستخدم مسمّى "الغرفة المشتركة" أو "سرايا القدس وفصائل المقاومة"، في إحاطاتها الإعلامية.

الشارع بألف خير
مرّ نهار الخميس ثقيلاً على سكّان القطاع؛ إذ أُعلن رسمياً، في ساعات مبكرة، فشل جهود التوصّل إلى اتفاق تهدئة، في وقت أَظهر فيه الميدان، إلى ما قبل الساعة السادسة، أن جيش الاحتلال ينجز على الصعيد المخابراتي، ويحقّق ضربات أمنية عميقة في بنية الذراع العسكرية لـ"الجهاد". ضربات استُكملت باغتيال العدو نائب قائد القوة الصاروخية لـ"سرايا القدس"، أحمد أبو دقة، إثر تصفيته، فجر اليوم ذاته، مسؤول الوحدة الصاروخية، علي حسن أبو غالي، ليخرج عقب ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، متبجّحاً بقوله: "اغتلنا مسؤول القوة الصاروخية، ونائبه، وسنغتال كلّ مَن يشغل هذه المناصب لاحقاً".
تبدي الجبهة الداخلية الفلسطينية تماسكاً ووحدة، استطاعت من خلالهما تجاوز الخلاف الذي صنعته "وحدة الساحات"


في مقابل كلّ ذلك الضغط النفسي، وفي محاولة لتعزيز حالة الرفد الشعبي لخيار المقاومة، دعا نشطاء في مواقع التواصل، المواطنين، إلى الصعود إلى أسطح المنازل، في تمام "تاسعة البهاء"، ليصدحوا بالهتاف والتكبير، بيعةً ومساندة للمقاومين. وقبل أن يحلّ المساء، كانت المقاومة قد نفّذت ضربة صاروخية كبيرة تجاه مدن العمق، جاءت صورها لـ"تشفي الغليل وتثلج الصدور". على أن التفاعل الكبير، حملته الساعة التاسعة مساءً؛ إذ قبل هذا الموعد بساعة كاملة، كان الآلاف من المواطنين، على طول مساحة القطاع، قد صعدوا إلى أسطح المنازل، ونصبوا مكبّرات الصوت التي صدحت بأناشيد المقاومة، وأخرى بثّت خطابات قديمة لقادتها، وعلى رأسهم، خالد الدحدوح، ومحمد الضيف، وخليل البهتيني. وحينما دقّت التاسعة، بدأت صيحات التكبير، توازياً مع انطلاق رشقات صاروخية كبيرة من محافظات قطاع غزة الشمالية والجنوبية. أمّا في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، فاحتشد العشرات من المواطنين في الشوارع ومفترقات الطرق، وقدّموا وصلات غناء وفلكلور على إيقاع الطبل والتهليل، أشادوا فيها بقصف المقاومة لمدن العمق.
ومن جرّاء تلك الحالة، سعى الاحتلال إلى تكرار سيناريو "وحدة الساحات"، بهدف صناعة مزاج من النقمة على صواريخ المقاومة، وفق ما تؤكّده مصادر أمنية لـ"الأخبار"، موضحةً أن العدو تعمّد إطلاق قذائف صاروخية تجاه الأحياء المدنية، بالتزامن مع رشقات المقاومة، لكن شاء القدر أن تسقط إحدى هذه القذائف وسط تجمّع للمواطنين من دون أن تنفجر. وعليه، تستمرّ الجولة، وسط وحدة فصائلية وشعبية، يُجمع فيها الشارع على أن مواصلة إطلاق النار، مطلب وطني وأخلاقي، ليس بغرض الانتقام لدماء الشهداء فحسب، بل لرفع كلفة الاستسهال الإسرائيلي في التفرّد بأيٍّ من المكوّنات الوطنية.