غزة | حزينةً مرّت «تاسعة البهاء» عشيّة يوم الجمعة الذي شهدت ساعات نهاره اغتيال مسؤول ركن العمليات في «سرايا القدس»، إياد الحسني. عدد محدود من الصواريخ أُطلق على مستوطنات قريبة من حدود القطاع، ليصاب آلاف المواطنين الذين انتظروا على أسطح المنازل الرشقات الكبيرة، بخيبة أمل. كثُر الحديث، عندها، عن أن «ظَهر السرايا قد كُسر»، وعن أن الساعات القريبة من منتصف تلك الليلة، ستشهد توقيع اتفاق تهدئة، بانتصار إسرائيلي ناجز. وعلى رغم أن الرشقات الصاروخية المتقطّعة استمرّت طوال الليل، فإن غياب الزخم، وسط حاضنة شعبية موجوعة، كان السِمة الأبرز لساعات ما قبل النهاية. على أن المشهد كلّه انقلب، بالتزامن مع بدء مراسم تشييع الحسني قبل ظهر أوّل من أمس. إذ إن رشقات مئوية من الصواريخ استمرّت في الانطلاق طوال عشر دقائق، أولاها، تضمّنت وفق الإعلام العبري إطلاق نحو 100 صاروخ، طاولت في لحظة واحدة أكثر من 30 مستوطنة ومدينة، مِن مثل «حولداه» و«يسودوت» و«نيتسر حزاني» و«غفعات واشنطون» و«كفار مردخاي» و«ميشر» و«مسجاف دوف» و«نافيه مبطاح» و«يافنيه وشدماه» و«يتسرون» و«كرم بيبنة» و«عاد هلوم» و«أسدود» و«جان هدروم» و«قاعدة حتسور» و«أمونيم» و«عزريكم» و«سديه عوزياهو» و«شتوليم» و«بني رام» و«جاني طال» و«حفيتس حاييم» و«حيتسف» و«يد بنيامين». كما وصلت بعض الصواريخ إلى مدن العمق، من مِثل تل أبيب والخضيرة ونتانيا، على بعد 85 كيلومتراً.قلبت تلك الرشقة المركّزة والكبيرة، المشهد المعنوي في الشارع، رأساً على عقب، ليغيب الحديث عن وقف إطلاق النار لساعات. وعلى رغم تصاعد سياسة قصف بيوت عناصر وحتى شهداء «سرايا القدس» مذّاك، فإن الحاضنة الشعبية، حينها، كانت قد وطّنت نفسها على جولة قد تستمرّ إلى يوم الخميس المقبل. وسط ذلك كلّه، كثف الإعلام الحربي التابع لـ«السرايا» و«غرفة العمليات المشتركة» من البيانات والرسائل المصوَّرة، والتي أظهر بعضها مفارز الصواريخ الثقيلة «براق وبدر»، ومرابض سلاح المدفعية «الهاون» الذي كان قد رسم مشهدية خطيرة في المواقع العسكرية المحاذية للشريط الحدودي للقطاع، إذ دكّ موقع «شوكداه» بأكثر من 50 قذيفة هاون، تدرّج الإعلام العبري في تمرير خسائر الاحتلال من جرّائها، لتتضارب الأنباء ما بين سقوط ثلاثة قتلى، ومن ثمّ عدد من الجرحى بإصابات خطيرة، وأخيراً قتيل واحد وإصابتين خطيرتين.
شهدت شوارع القطاع مسيرات جماهيرية حاشدة وصلت إلى منازل الشهداء


كانت رشقات الساعة 12:40 ظهراً، هي البداية لدراما خطيرة صُنعت دقائقها بالنار. في تلك الساعات، أعلنت «سرايا القدس» أن مجموعة من سلاح الدروع نجحت، يوم الجمعة، في استهداف تجمّع للجنود الإسرائيليين في موقع الإرسال بصاروخ موجّه، وحقّقت فيهم إصابات مباشرة. ثمّ تَواصل مشهد الإغراق الناري حتى ساعات المساء، وكان يُراد منه، وفق مصدر في «السرايا»، تفريغ سياسة اغتيال القادة من مضمونها، من خلال الإثبات أن فعالية الميدان لا تزال حاضرة، ولم يطرأ عليها أيّ تأثر عقب اغتيال الحسني، الذي زعمت إسرائيل أنه كان يقود آخر غرفة عمليات وسيطرة تابعة لـ«الجهاد الإسلامي». وهنا، يؤكّد المصدر ذاته، في حديثه إلى «الأخبار»، أن كلّ الاغتيالات التي حدثت طوال الأيام الخمسة من المعركة، لم تستطع أن تؤثّر في قدرة المقاومة على مواصلة القتال، بالنظر إلى طبيعة البنية العسكرية للقوة الصاروخية التي تعمل بتشكيل أساسي، تندرج أسفلَ منه العشرات من تشكيلات الظلّ، والتي بقيت حتى اللحظة الأخيرة من الجولة بـ«ألف خير». ويتابع المصدر: «كان يلزم مقاومي الميدان فقط، أن يتلقّوا الأمر بإطلاق النار، لأن العمل لا يخضع للمزاجية والعشوائية. وعقب اغتيال الحسني، كانت جميع المرابض جاهزة ومذخّرة في انتظار الإشارة».
ما تَقدّم إنّما هو فصول من الحكاية، التي أتمّت المقاومة روايتها على شاكلة أكثر زخماً. إذ شهدت الـ 20 دقيقة الأخيرة، التي سبقت البدء الفعلي لوقف إطلاق النار، رشقات صاروخية كبرى، تجاوزت في عددها ومداها رشقة الظهيرة. وأمام صدمة النار، أصيبت منظومة الإنذار المبكر بخلل لم تستطع بعده مواصلة التنبيه إلى النقاط المستهدفة. وفي تمام الساعة 9:20، انطلقت الصواريخ من جديد، مطاولةً مستوطنات «غلاف غزة»، ثم وصلت رشقة كبيرة منها إلى مدينة أسدود، وأخرى إلى «بلماحيم» في ضواحي تل أبيب، وثالثة أيضاً إلى «حولون» و«ريشون لتسيون». أرادت «السرايا» أن ترسم مشهدية عبّر عنها تصميم نشره الإعلام الحربي، حمل عبارة «الكلمة العليا لنا»، فيما لم يسعف الوقت جيش الاحتلال لتوجيه ضربات جديدة ردّاً على الرشقات الأخيرة.
ومع بدء وقف إطلاق النار، شهدت شوارع القطاع مسيرات جماهيرية حاشدة وصلت إلى منازل الشهداء، ولا سيما قادة المجلس العسكري، ردّد المشاركون فيها شعارات أكدت مواصلة مبايعة المقاومة.