غزة | بعدما وضعت المقاومة الفلسطينية قرابة مليونَي مستوطن إسرائيلي تحت رحمة صواريخها خلال معركة «ثأر الأحرار»، وعقب إيصالها رسائل ميدانية باستعدادها لإطالة أمد المعركة وامتلاكها قدرات عالية للضغط على الجبهة الداخلية للاحتلال، رضخت حكومة بنيامين نتنياهو لمطلب إنهاء الجولة وفق شروط المقاومة، التي تستعدّ، مع ذلك، لما يمكن أن تشهده نهاية الأسبوع الجاري من تطوّرات في مدينة القدس. وكانت المفاوضات، التي خاضتها المقاومة على مدار أيام، قد أفضت إلى صيغة «توافقية» تعني في جوهرها وقف سياسة الاغتيالات ضدّ قادة الفصائل الفلسطينية، بالصورة التي جرت بها تصفية قادة «سرايا القدس» الثلاثة مطلع الأسبوع الماضي، أي عندما يكونون داخل منازلهم ومع عوائلهم وأهاليهم.وعلى رغم تحقّق ذلك المطلب، إلّا أن المقاومة لا تزال في حالة مراقبة وتأهّب، تحسّباً لتطوّرات محتملة في المسجد الأقصى. وفي هذا الإطار، تقول مصادر في المقاومة، لـ«الأخبار»، إنه «على الرغم من أن قضية مسيرة الأعلام في مدينة القدس لم يتمّ تضمينها في اتّفاق وقف إطلاق النار، إلّا أن المقاومة حالياً لا تزال عيونها متّجهة ناحية المدينة، وهي مستعدّة للتعامل مع أيّ تطور أو استفزاز قد تذهب إليه حكومة الاحتلال والمتطرّفون فيها هناك». وتؤكد المصادر أن «المقاومة لن تسمح لحكومة الاحتلال بالانقضاض على المكتسبات التي حقّقتها المقاومة خلال معركة سيف القدس في عام 2021 في ما يتعلّق بالمسجد الأقصى»، مضيفةً إن «المقاومة على تواصل دائم مع الوسطاء حول ما يجري في القدس». وقد أبلغت المقاومة الوسطاء، خلال المباحثات التي جرت في القاهرة أخيراً بقيادة حركة «الجهاد الإسلامي»، أنها «ستراقب ما يخطّط له الاحتلال تجاه المسجد الأقصى، ولن تسمح له بتجاوز الخطوط الحمر»، وأنها «تَعتبر الاستفزاز هناك بمثابة قنبلة يمكن أن تفجّر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية برمّتها». وجزمت الفصائل، للوسيط المصري، بأن «لديها القدرة على فتح معركة جديدة لمنع تغيير الواقع في المسجد الأقصى وتقسيمه زمانياً ومكانياً»، محذّرةً من أن «معركة القدس ستكون أكبر وأوسع وذات مستويات نارية عالية، ولن تقتصر على جبهة قطاع غزة».
في هذا الوقت، بدأت الجماعات الاستيطانية المتطرّفة استعداداتها لإقامة «مسيرة الأعلام» السنوية الاستفزازية في القدس المحتلّة، في محاولة لتأكيد «السيادة الإسرائيلية» الكاملة على المدينة، والتي فشلت في تكريسها على مدار سنوات سابقة. ويقود التحضيرات للمسيرة، كلّ من حزب «الصهيونية الدينية» برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وحزب «القوة اليهودية» برئاسة وزير «الأمن القومي» إيتمار بن غفير.
من جهته، هدّد عضو المجلس الوزاري المصغّر في حكومة الاحتلال (الكابينت)، وزير الاستخبارات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، باغتيال كل من يحاول عرقلة الفعالية المقرَّرة يوم الخميس المقبل. وقال كاتس: «إن مسيرة الأعلام ستتمّ كما جرت العادة في كلّ عام من دون تغيير، وإن أيّ تنظيم يحاول المسّ بها وإطلاق الصواريخ تجاهنا لمنعها، فإن جميع قادته سيكونون على طاولة التصفيات، كما فعلنا ذلك مع الجهاد الإسلامي». وفي الإطار نفسه، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية أنه على الرغم من انتهاء جولة التصعيد الحالية مع غزة، إلّا أن التوتر ما زال سيّد الموقف مع اقتراب موعد «مسيرة الأعلام»، مشيرةً إلى أن الشرطة الإسرائيلية لا تنوي تغيير خطّ المسيرة حتى الآن، إذ من المقرّر أن تمرّ من باب العمود، وتدخل البلدة القديمة وصولاً إلى حائط البراق.
في المقابل، توقّع مصطفى الصواف، الكاتب الصحافي المقرّب من حركة «حماس»، عودة المعركة مع الاحتلال نتيجة «مسيرة الأعلام»، قائلاً: «الجولة انتهت، نعم، ولكن المعركة لا تزال مستمرّة ولم تتوقّف، وستستمرّ حتى كنس الاحتلال. لكن السؤال: متى ستكون الجولة القادمة؟ هل ستكون شرارتها يوم الخميس القادم في ذكرى ما يُسمّى "توحيد القدس"؟». ورأى الصواف أن «الاحتلال يلعب بالنار»، وأنه «ولو حاول تنفيذ مسيرة الأعلام وفق ما يخطّط له، فإن الأمور ستنقلب رأساً على عقب»، مضيفاً إن «الشعب الفلسطيني ومقاومته لن يقفا مكتوفَي الأيدي، وسيرى الاحتلال ما لم يتوقّعه، وسيكون الأمر أصعب من الأيام الخمسة التي مضت».
ولفت إلى أن «القدس هي عنوان المواجهة القادمة التي حاول الاحتلال التهرّب منها، لكنه فشل»، محذّراً من أن هذه المواجهة «لن تكون فقط في غزة، بل سنشهد وحدة الساحات بشكل أكبر، وربّما نشهد وحدة جبهات، ولن يقتصر الأمر على الفلسطينيين وحدهم، بل سيشمل الإقليم وما بعد الإقليم، لذا على الاحتلال أن لا يستعجل الأمر، وعليه الكفّ عن جرائمه بحق القدس والأقصى والشعب الفلسطيني».