رام الله | لم تنمْ مدينة جنين ومخيّمها، ليل الأحد - الاثنين، على وقع تصدّي مقاوميها لأكثر من ستّ ساعات لاقتحام واسع شنّته قوات الاحتلال مع ساعات الفجر الأولى واستمرّ حتى ساعات الصباح. وتمكّن المقاومون، خلال الاشتباكات التي وُصِفت بالأعنف، من «تحويل الدفاع إلى هجوم»، قبل أن ينجلي غبار المعركة عن استشهاد الشاب أشرف الشيخ إبراهيم، وإضراب شامل عمّ المدينة حداداً، بالتزامن مع ارتفاع وتيرة الاشتباك في أكثر من نقطة مواجهة في الضفة الغربية. وكعادته، اعترف جيش العدو بإعطاب العديد من آلياته العسكرية، من دون أن يفصح عن إصابات في صفوف جنوده، فيما سُجّل فشل العملية، التي شارك فيها مئات الجنود وعشرات الآليات العسكرية، في تحقيق هدفها المتمثّل في اعتقال مقاومين، وهو ما أكدته «كتيبة جنين» في «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، والتي قالت في بيان: «تمكّن مجاهدونا بعون الله وتوفيقه من توجيه ضربات مكثّفة صوب قوات الاحتلال وآلياته التي تمركزت في الحيّ الشرقي، وأمطروها بصليات كثيفة من الرصاص والعبوات المتفجّرة، محقّقين إصابات مباشرة»، كما «استهدفوا آليات الاحتلال في محيط المخيم بصليات كثيفة ومتتالية من الرصاص وأجبروها على التراجع»، توازياً مع «تنفيذ عمليات استهداف صوب قوات الاحتلال في البيادر - شارع الناصرة - المراح - المنطقة الشرقية، وخوض اشتباكات عنيفة»، تحقّقت خلال «إصابات مباشرة» في صفوف جنود العدو. وأكّدت الكتيبة أنها و«لواء الشهداء» تمكّنا «من تنفيذ كمين في قوة صهيونية في محيط المخيم، واستهدافها بصليات من الرصاص والعبوات المتفجّرة، محقّقَين إصابات مؤكّدة في صفوفها، كما تمّ استهداف عدد من تمركزات قنّاصة الاحتلال على بعض المنازل».وسبق العملية العسكرية في جنين بساعات، تنفيذُ المقاومة عمليات عدّة، أولاها إطلاق النار باتجاه آليات الاحتلال في منطقة «مثلث الشهداء» جنوب المدينة. كذلك، استهدف مقاومون بالرصاص منازل المستوطنين في مستوطنة «جان نير»، ما أدّى إلى وقوع إصابات في إحدى وحداتها، وحملَ قوات الاحتلال على عمليات تمشيط وبحث عن المنفّذين. كما أطلق مقاومون النار، في الوقت نفسه، على مركبة للمستوطنين في محيط مستوطنة «دوتان»، ثمّ انسحبوا بسلام، بينما بثّت «كتيبة جنين» مشاهد مصوَّرة للعمليتَين. وتزامن اشتباك الفجر في جنين، مع ارتفاع وتيرة المواجهة في جنوب الضفة الغربية، وتحديداً في محافظتَي الخليل وبيت لحم. إذ تحوّلت بلدة بيت أمر ومخيم العروب شمال الخليل إلى نقاط اشتباك ساخنة، تنوّعت العمليات فيها ما بين إطلاق النار واستهداف لمواقع الاحتلال ومركبات المستوطنين بالحجارة والزجاجات الحارقة، وذلك بالتزامن مع عملية مشابهة في مخيم عسكر شرق نابلس. وكانت قد سُجّلت محاولة اشتباك يوم الجمعة الماضي في مدينة الخليل، حيث حاول الشاب علاء قيسية اقتحام مستوطنة «تنا عومريم»، والوصول إلى الكنيس اليهودي هناك، قبل أن يستشهد، وتنتشر مشاهد له وهو يحاول تجنّب التعرّض للنساء والأطفال في الحديقة التي كان هؤلاء فيها.
دخلت مدينة طولكرم بمخيّمَيها على خطّ الاشتباك بقوّة في الفترة الأخيرة


أيضاً، دخلت مدينة طولكرم بمخيّمَيها (مخيم طولكرم، نور شمس) على خطّ الاشتباك بقوّة في الفترة الأخيرة، حيث بات المخيّمان يشهدان اقتحامات واشتباكات مسلّحة عنيفة، توازياً مع تصاعد المواجهة في مخيم بلاطة. وفشلت قوات الاحتلال، الأحد الماضي، في عملية جديدة لها في «طولكرم»، حيث كانت تحاول الوصول إلى مقاومين، قبل أن يتمكّن هؤلاء من نصب كمين لها والاشتباك معها. وجاء ذلك بعد أيام من فشل القوّات الخاصة في أكثر من محاولة اقتحام لـ«بلاطة»، وانكشافها على أيدي المقاومين الذين خاضوا مواجهات معها. وفي وقت سابق، فشلت عملية اجتياح واسعة استهدفت مخيم عقبة جبر، على رغم أنها حظيت باهتمام رأس الهرم في جيش الاحتلال، واستمرّت لأكثر من ثماني ساعات بمشاركة نحو 400 جندي إسرائيلي فيها من نخبة الجيش والقوات الخاصة، وهذا ما يدلّ على تحسّن يقظة المقاومين، وقدرتهم على كشف الأساليب التي يلجأ إليها العدو، مع الحفاظ على ديمومة الاشتباك والتصدّي لأيّ اقتحام.
على خطّ موازٍ، تشهد محافظة جنين تصعيداً من نوع آخر، يتمثّل في تكثيف النشاط الاستيطاني في المحافظة، مع تراجع حكومة الاحتلال عن خطّة «فكّ الارتباط» التي كانت قد أُقرّت في عهد أرييل شارون عام 2005. وفي أوّل خطوة في هذا السياق، قام مستوطنون، ليل الأحد - الاثنين، بإعادة إنشاء المدرسة الدينية في بؤرة «حومش» الاستيطانية، على قطعة أرض تبعد بضع مئات الأمتار من مكانها اليوم، في ما يمثّل توسيعاً للبؤرة التي أخليت عام 2005، وتمهيداً لـ«شرعنة حومش» بالكامل. وبينما أعلنت إدارة المعهد الديني أن «استنساخ المدرسة الدينية بشكل سرّي جرى ليلاً، خشية ردّ فعل السكّان الفلسطينيين، وبموافقة وزير الأمن يوآف غالانت»، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن يهودا فوكس، قائد المنطقة الوسطى في الجيش، والحاكم العسكري للضفة الغربية، أوعز بالسماح لليهود بدخول «حومش». ووصف وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، بدوره، ما جرى بأنه «لحظة تاريخية مثيرة، وترمز إلى الانتقال من حكومة التدمير إلى بناء وتطوير دولة إسرائيل بأكملها»، بينما أعلن رئيس المجلس الاستيطاني «شومرون»، يوسي داغان، أنه ستتمّ إقامة ثلاث مستوطنات أخرى في مواقع كانت تقوم عليها مستوطنات «غانيم» و«كيديم» و«سانور» التي تمّ إخلاؤها في إطار خطّة «فكّ الارتباط».
في هذا الوقت، كان لافتاً، أخيراً، تسليط الإعلام العبري الضوء على ما قيل إنه محاولة لإطلاق صاروخ من الضفة الغربية الأربعاء الماضي، حيث انفجر في الهواء من دون بلوغ وجهته. وأعلن جيش الاحتلال أنه عَثر في قرية نزلة عيسى، قرب جنين شمال الضفة الغربية، على قاذفة استُخدمت في إطلاق صاروخ بدائي الصنع، تجاه مستوطنة «شاكيد»، لكن عملية الإطلاق «كانت فاشلة»، مضيفاً إن هذه هي «المرّة الأولى التي تتمّ فيها محاولة إطلاق صواريخ من الضفة الغربية تجاه مستوطنات إسرائيلية». ونشر الإعلام العبري فيديو لانطلاق صاروخ بدائي الصنع باسم «قسام 1» وبتوقيع «كتيبة العياش»، من منصّة بدائية، لمسافة لم تتجاوز أمتاراً عدة، فيما قال مصدر عسكري كبير، في تصريح صحافي، إنه كانت هناك كمية ضئيلة من المواد المتفجّرة في القاذفة لا تكفي لأكثر من بضعة أمتار، وإن القذيفة الصاروخية انفجرت على بعد 3 أمتار فقط من انطلاقها.