القدس - منذ أسابيع عدة، كنت وصديقي الغشاش نتبادل أطراف الحديث، أو قل "طق حنك" عبر المسنجر.إحدى الطقّات كانت حول حادثة سرقة سيارة أم العيال، الـ «فيات اونو» التي اشترتها قبل الحادثة بشهر واحد، رغم أننا نعاني من شح جميع أنواع العملات المحلية والعالمية، إلا أن للضرورة أحكام، وضرورة هذا الحكم كانت لتخفيف وطأة وثقل جدار الفصل العنصري، الذي ضغط وبشدة على أعصابها وعظامها، إذ إن المؤسسة التي تعمل بها، تقع خلفه، ما بين القدس والضفة الغربية.

لذا كان مرورها عبر بوابة الحرية، من بلاد «الديمقراطية» في القدس، إلى بلاد «الهمجية» في الضفة الغربية مرتين يومياً، أي بمعدل أربع إهانات يومياً. طبعاً هذه المعلومات لم يعلم بها السارق، إنما علم بها الخالق، و"هيك تمت السرقة".
كان يومنا أنا و«أم تولا» يوم سواد، هي أعلنت الحداد وذهبت إلى الفراش، أما أنا فأعلنت الإضراب، وهممت أصيح وأولول «يا عالم يا هو» عبر الياهو، فاعترفت لصديقي بأني لم أنزعج كثيراً لسرقة السيارة، لكن انزعاجي مصدره أن أقراص الموسيقى التي كانت تنام على أنغامها تولا، كانت في السيارة الملعونة. فسألني صديقي بحس مرهف: هل توصل البوليس إلى معرفة السارق؟
لا أذكر إجابتي له، لكنه شعر باللامبالاة العفوية.
فقال: أستغرب عدم اكتراثك.
فأجبته: شكلك نسيان أن بوليسنا هو نفسه من سرق أحلامنا وطفولتنا، ثم ملابسنا من ست وستين سنة! صديقي الذي لم يرَ القدس حتى الآن: إيه والله راحت عن بالي هاي.
شوف يا صديقي، السنة الماضية تعرض بيتنا للسرقة، فلم يأبه البوليس حتى لرفع البصمات، وهاي مش جاي من فراغ طبعاً، حيث أن أحد زعمائهم سبق أن قال: إن قام غير أولاد المختار بسرقة أو بقتل غير أبناء المختار، شو دخل المختار؟
أغلقنا الياهو وأشعلنا البانجو، وإذ بوحي يتسلل من موسيقى التانغو فيهمس في قناة الفالوب: اكتب.
فأجبته: لماذا؟
قال: اكتب.
قلت: لماذا؟
قال: اكتب يلعن بوزك، اكتب فإن أحداً لا يعلم بمأساتكم، وكيفية معاشكم في ظل احتلال وكلاء بريتش بيتروليوم، إن ما تنقله «المنار» أو جريدة الأخبار وغيرهما، ما هو إلا نقطة من أعماق بحار أوجاعكم اليومية. عشان هيك لازم تكتب. بس أنا كسول وما كتبت.
راحت الأيام، ومرّ شهران ولم أكتب هذه الأحداث رغم بساطة حبكتها، إلا أن حادثة الأسبوع الماضي صحصحتني من منامي، وأجبرتني على تقليم أقلامي، ليس بقصد فضح أفعال بني شلومو وبنعامي، أو حتى الفكر العلماني، إنما للتأريخ وتبيان قليل مما نعاني.