من قال إن الشمس تغيب؟ الشمس تسافر كل مساء يا ولدي، تغادر كي تغسل وجهها من ينبوع عينات والجبينة والجفرا، من ماء الارض الجليلي الطاهر والمقدس، وتعود نظيفة انيقة في اليوم التالي. الشمس تتسلل كل غروب الى شواطئ حيفا، تضع اقدامها في ملح البحر. هكذا كلما برمت ظهرها على شاطئ المخيم، تواسينا الجدة بعينيها اللتين لا تصلحان الا للبكاء، ودمعها بطعم البحر يبلل فرحها المؤقت، كم تشبه الارض، برائحة تربتها ولون سحنتها وتجاعيد وجهها وحكاياها التي لا تنضب. 
هي سيدة الارض تردد: ان الشمس لا تغيب! بل ان الليل هو الذي يفرض قدومه ويسلب الضوء من ينبوع النهار، يلقي ثوبه الأسود على يومنا الأبيض ويتنفس السكون المحتشد بثرثرات تمضي بلا انقطاع. 
تكون الساعة معلقة على الافق عند منتصف الطريق، تماماً في المسافة الحادة بين الوطن والمنفى، وبين المخيم والحدود، ساعتها يكون آذار قد استكمل عد أيامه الاخيرة، وزهرات الجليل يتألقن بعطر غامض وفرح خجول، البقية التي صارت باقة زعتر لا يموت، لم يبق من صوتها الا اسم ينادينا، نرحل وتبقى، تنتظرنا بكامل حواسها، نحن مثل شمسنا التي لا تغدر بشجيرات العليق عند حجارة قريتنا المهدمة، ولا تترك الصبار خلفها وهي تؤدي صلاتها فوق قمة الكرمل. 
كتبنا بالدم قصيدة الأرض، وقلنا لك سراً مباحاً من جسد الجنون ورائحة العدم، كلاما لن يكرره أحد بعدنا، وما زلنا نسابق الشمس إليها، على وعد الوصول الى بحرها، قبل ان نقرأ على الشاشات خبر موتنا العاجل، نكتب بسيف الفارس القتيل والمشاكس الحالم والتلقائي اصافح نفسي بأصابع من نار، كي يبرد سهد الانتظار في عينيك. ونسير كما يحق لبشر أن يسيروا في الارض. ندخل من باب الى بيت، نملك الحق في باب الدخول الى وطن، ونرى باباً وخلفه دياراً. 
كلما تشرق الشمس، ينهض الشهداء ثانيةً... لانك سيدة الأرض، زهرة الارض وجنتها، لنا ارض لا ترحل ولا تموت، نشتمّ ترابك كلما سقطت في عبك زخة مطر، لقد علمتنا المنافي ان نميّز البلدان من رائحة المطر، كما نميّز الجسد من رائحة العطر. وحدنا نعرف اين تسافر الشمس وانها لا تغيب.
تغسلنا من خطايا الغياب كي يلوح في الافق وجهاً مألوفاً، عليه وشم كوجه جدتي، لكنه يشبهنا كثيرا ومنذ نكبة ونيّف يحدق بنا. كانت الاساطير تحتشد في آذار ، وتصير المرأة كرنفالا للخصب والحب ولها تشرع الارض أزهارها وتلونها بعطرها العالق في مسامات أجسادنا وحنايا شمسنا الخالدة.