في مخيم خان الشيح تبدو صورة اللاجئ الفلسطيني كما وصفها رسام بلادهم ناجي العلي في كاريكاتيره الشهير الذي تناول اقتتال الإخوة «حاجي تقللي الدم ما بصير مي.. صار زفت». قصف ودمار وحصار وجوع وفقر وفلتان أمني وخوف ورعب كله في مخيم صغير يدعى خان الشيح.

هنا في ذات المخيم يشتري المرء أثاث بيته المسروق من سارقيه. هنا يحدثُ أيضاً أن تغادر أرملة بيتها بحثاً عن لقمة عيشها لتعود آخر النهار فتجد ابنتها عروسا لعريس الغفلة.
كيف يحدث ذلك كله؟
يحدث هذا عندما تصبح السرقة فتوى شرعية ويغيب العدل وتغيب المساءلة. كثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة السرقة وبيع أثاث البيوت بثمن بخس. يقسم أحمد أنه اشترى براد بيته بعدما سُرِق منه من شاب لا يعرفه. قال له هذا الشاب: «أنا تاجر أشتري وأبيع لست بسارق». السرقة هنا عمل منظم ومتقن تقوم به عصابات متعددة الارتباطات. بعضها مرتبطٌ بالجيش الحر والآخر يرتبط بضباط الأمن السوريين. معظم البيوت التي اضطر سكانها لمغادرتها نتيجة سوء الأحوال في المخيم نُهِبت وسرقت.
شاحنات كبيرة تتوقف ليلا أمام محال الأدوات المنزلية والغذائية وحتى الصيدليات.. والبيوت أيضاً ينزل منها مسلحون يملأون هذه الشاحنات بما خف حمله وغلا ثمنه من المواد ويتجهون بها إلى مكان مجهول. في الصباح تبدأ عملية تسويق يقوم بها بعض المرتزقة: من ينقص بيته تلفاز أو براد أو أي شيء آخر ما عليه إلا دفع ثمن أو ربما صرف مكافأة لسارقها مقابل حاجته.
في حادثة أشبه بالخيال وقعت في المخيم، تزوج الشاب رامي.. قسراً من حبيبته سناء الفتاة اليتيمة الأب. حين ألقت مجموعة اسلامية متشددة القبض على العاشقين في احد بساتين المخيم فكان الحكم بجلدهما وتزويجهما!
تزوج الشابان بعقد زواج من الهيئة الشرعية التي أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر!
كان الأمر مفاجأًة لأم سناء التي ما لبثت أن استوعبت الأمر وفرحت لزواج ابنتها، عكس والدي رامي. هذا الأخير الذي «استأجر» بيتاً غاب عنه أصحابه، واشترى غرفة نومه وأثاثه من المجموعة ذاتها التي زوجته بامرأته وبالتقسيط وبأبخس الأثمان أيضاً.
المضحك المبكي هو ما قام به بعض شباب المخيم من اطلاق تسميات للكتائب الموجودة في المخيم، تيمناً بافعالهم: هكذا أطلقوا اسم كتيبة البرادات على سارقي البرادات وكتيبة الغسالات على المجموعة المتخصصة بسرقة الغسالات وتسميات أخرى من هذا القبيل. لم يتوقف الأمر على هذه التسميات الساخرة وإنما تعدى ذلك الى مصادمات و عراكات بالأيدي واطلاق رصاص بسبب تلك التسميات. هكذا، ما إن يسمع هؤلاء الشباب المسلحين وهم يصرخون «تكبير»، حتى يرددوا «شيل البراد الكبير».. في اشارة الى تخصص هؤلاء بسرقة البيوت.
ويراقب اهل المخيم بمرارة تناوب كلا الطرفين، النظام والمعارضة على اللاجئ الفلسطيني: فالأول يقصف ويُهجّر، والآخر يسرق وينهب. يحدثُ هذا كله في غياب موقف واضح وموحد من فصائل المقاومة الفلسطينية لما يجري في المخيمات الفلسطينية في سوريا وعدم الإصغاء لدعوات تحييدها وتجنيبها أتون الحرب الدائرة في سوريا. وفي ظل الوضع المعيشي المزري للغاية تتصاعد الأصوات التي ملّت من التنديد بهذه «الفصائل العفنة» على ما يقول أهل المخيم، ليسأل الكثيرون متى يحين الربيع الفلسطيني؟ وهل سيأتي حقاً؟ أسئلة يسألها أهل ثورة ظلمت بل أوشكَ أشقاؤهم على دفنها ودفنهم.