تستيقظ الطفلة أميرة أبو كميل، ابنة الـ12 عاماً، قبل بزوغ الفجر بنصف ساعة. تعدّ الإفطار لأشقائها الستة، تتفقد حقائبهم المدرسية، تتصرف معهم كأنها والدتهم، تودّعهم على باب المنزل. بعد ذهابهم إلى مدارسهم، تنهمك الطفلة الغزية في غسل ملابسهم وتنظيف البيت وإعداد الغداء والاهتمام بشقيقها الصغير البالغ من العمر 11 شهراً، ما أجبرها على التوقف عن الدراسة. ظهراً، وعند عودة إخوتها من المدرسة، تتحول الطفلة ــ الأم إلى معلمة، فتقول لأشقائها: «بدنا ندرس ونجيب درجات حلوة علشان ماما تفرح».
تحولت أميرة، في ليلة وضحاها، من طفلة تلهو مع إخوتها وتذهب معهم إلى المدرسة، إلى المسؤولة عنهم. فقد اعتقل العدو الإسرائيلي والدتها، نسرين أبو كميل، بعد استدعاء وزارة الخارجية الإسرائيلية لها للقائها في معبر بيت حانون (إيريز)، للرد على طلبها بالحصول على تصريح «لمّ شمل» مع عائلتها التي تسكن في حيفا، التي كانت قد زارتهم في مرات سابقة. يقول أقرباؤها إنها ذهبت إلى المعبر، حيث قايضها العدو بين العمل لمصلحته أو اعتقالها ومنعها من العودة إلى أطفالها.
«رفضت نسرين العرض وفضّلت أن تؤسر وتحرم عائلتها على خيانة بلدها»، يقول زوجها حاتم أبو كميل، لـ«الأخبار». وقبل أسرها كانت نسرين تساعد زوجها في عمله، وتدير بسطته الصغيرة لبيع المعلبات والدخان، وشحن «كروت» الجوال للمارة. كانت الحياة بالنسبة إلى العائلة صعبة، لكن الآن بعد أسرها صارت أصعب، خصوصاً بعد ما سببه غياب الأم عن المنزل من حالة نفسية صعبة على الأطفال.
تقول الطفلة أميرة: «بحس بتعب وبألم لما أقوم بأعمال. لكن الظروف بدها هيك». تضيف: «أشعر بألم لما شوف أخوي الزغير أحمد يبكي من الجوع. أول أيام لقيت صعوبة كبيرة حتى يحبّ الحليب الصناعي. كل ما كان يبكي أبكي معو».
فقدان الأم وأداء دورها أثّرا في الطفلة. و«أيام زمان الحلوة» بالنسبة إليها هي عندما كانت والدتها في البيت وحينما كانت تذهب إلى المدرسة. «الأيام الحلوة» انتهت، وهذا الواقع صار كابوساً يومياً، خصوصاً بعدما تجاوزت مدة أسر نسرين مئة وخمسين يوماً.
يقول الزوج حاتم لـ«الأخبار» إنه في تشرين الثاني من العام الماضي «وصلت لنسرين دعوة من خارجية العدو للحصول على تصريح لمّ الشمل، وبعد 24 ساعة تبيّن أن الاحتلال قد اعتقلها لعدم قبولها التجسّس له». وأضاف: «عندما رفضت نسرين طلب العدو، اتهمها بتصوير أربعة أماكن حساسة في حيفا ونقلها للمنظمات الفلسطينية الإرهابية». وإثر هذه التهمة اعتقلت في سجون العدو.
يروي الأب كيف تغيّرت حياته بعد اعتقال زوجته، فيقول: «أشعر بالألم على غيابها وأعيش معاناة كبيرة، خصوصاً أن أطفالي صغار وأخشى عليهم أن يحترقوا حينما تقطع الكهرباء، وهم يحاولون إعداد الطعام في غيابي. كذلك أخشى عليهم من تدنّي علاماتهم الدراسية بسبب غياب أمهم عنهم».
ويتابع: «تغيّرت حياتي. صرت أعدّ الطعام برفقة ابنتي أميرة منذ الصباح، وبعد ذهابهم إلى المدرسة أتوجه إلى عملي وأعود الرابعة عصراً... نجلس نستذكر نسرين وحنانها علينا». وطلب أبو كميل من «هيئة شؤون الأسرى» الضغط على إسرائيل للإفراج عن زوجته «لتُعيل أطفالها وبيتها، ولتعود الحياة إلى بيتي من جديد». وقال إن محكمة العدو ستعقد جلسة استماع منتصف الشهر الجاري، متوقعاً أن تسجن زوجته لمدة سبع سنوات كما أخبره المحامي... «سيصدر الحكم النهائي أواخر الشهر».