البص | «الزعلان أكتر من الراضي» في مخيم البص في مدينة صور! فمن أصل أكثر من 300 وحدة سكنية لا تتفق وأدنى معايير السلامة العامة، ومهدد معظمها بالانهيار، 52 منها فقط سيطولها مشروع الأنروا لترميم المباني المهددة هي «حصة البص». هذا المشروع الذي انتظرته بكثير من القلق غالبية الأهالي، على ايقاع أخبار كوارث انهيار المباني في بيروت والمناطق، أملاً بطرد شبح الخوف من مصير مماثل، سيشمل فقط 52 في البص من مجموع 700 منزل في مختلف المخيمات الفلسطينية في لبنان.
هكذا، أثارت ضآلة المشروع، في مخيم البص غضب الأهالي، نظراً لما وصفوه بـ«الانتقائية» التي حددت على أساسها المنازل المشمولة بالترميم «دون الأخذ بمعايير واضحة»، كما قال العديدون هنا لـ«الأخبار».
من هؤلاء، الحاجة آمنة العريضة التي استثني منزلها من مشروع الترميم. تسترسل آمنة في سرد معاناتها التي لا تنتهي، والمحفورة جلياً على ما تسميه سقف منزلها، وهو بتعبير أدق «شبه سقف»، لكون معظم أجزائه باتت متصدعة وانهارت قطع من طبقاته، فبانت الأسلاك الحديدية منه بوضوح، وبدت وكأنها منتفضة على وضع المنزل الرديء، فأخذت تراشق سكانه يومياً بحجارة السقف التي نجت آمنة من شظاياها بأعجوبة.. إذ سقطت منذ فترة قطعة حجر على رجلها وكادت تسحقها لولا «عناية الله» كما تقول.
ومنذ ذلك الحين باتت آمنة مشردة في قلب تشردها، فلجأت الى منزل شقيقتها لتبيت ليلها فيه. أما سبب استبعاد منزلها من الترميم فتلخصه بقولها «لأن ما عندي ظهر (واسطة) ما عطوني حقي». ثم تشرح عاتبة؛ «كل يللي عم بطلبو هو سقف واحد يويني، ما عم بطلب يعمروا لي بيت»!
وضع الجار أبو حسين، يشبه إلى حد كبير وضع آمنة. فهو أيضاً خارج «الليستة»، اي لائحة المباني التي سترمم، لكونه «ما إلي حدا»، يقول بدوره.
هو الآخر نجا بفضل العناية الإلهية من موت محتم بعدما سقط حجر كبير على فخذه منذ فترة غير بعيدة، لذلك يعتبر أن استبعاده واستبعاد «جميع الاخوان اللي متلي» هو تسبب بالموت عن سابق إصرار وتصميم، من قبل كل من لا يعتبر أنه في خطر بسبب هذا الوضع، ومن هو «معني بحماية شعبنا»!
هذه النقمة العارمة على المعايير العبثية التي اعتمدتها وكالة الأنروا في ترميم الأبنية في مخيم البص تكاد تكون مشتركة بين معظم أهالي المخيم، «فالمحاصصة سيدة الموقف، إذ إن الأنروا لها مصالحها مع المجتمع المدني الفلسطيني، وتحسب لهم حساباً، لذلك تم إرضاؤهم من خلال وضع المقربين منهم على لائحة ترميم الأبنية»، كما يتهم رئيس اللجان الأهلية في مخيم البص أبو هادي عبد العال مشككاً «بالمعايير التي اعتمدت، والتي تمت مناقشتها مع وكالة الأنروا، التي أوضحت أن الترميم لن يشمل سوى بيوت الزينكو أو تلك الآيلة للسقوط، نظراً لقلة الميزانية»، ويتابع أبو هادي «بيد أن الواقع لا يعكس حقيقة الأمر، إذ إن الكثير من البيوت لا تتمتع بأدنى شروط السلامة العامة أو الصحية، وحتى أنها مهددة بالسقوط ومع ذلك لم يرد اسمها على اللائحة لأسباب غامضة، ما خلق حالة هرج ومرج ونقمة عارمة بين صفوف الأهالي»، ويقول مضيفاً «نحن مش ضد المشروع بل على العكس نحن نرحب بهذه المشاريع، لكن ضد الأسلوب المتبع، والذي كاد أن يولد شرخاً بين
الناس».
ومن أبرز الأمثلة التي ساقها الاهالي على ما رأوه «انتقائية متبعة» حالة أبو علاء السموري، الذي كان اسمه مسجلاً ضمن اللائحة، «وإذ به وبسحر ساحر يقفز منها ليحل اسم جديد قد يكون اولى ربما لأنه مقرب من جهة معينة لا أريد تسميتها»، كما يقول السموري، ساخراً، خصوصاً أن المنزل اعلاه يفتقد أدنى الشروط الضرورية للسكن، مستغرباً كيف أن هذا المنزل المشيّد إبان الاجتياح الإسرائيلي والمسقوف بألواح الزينكو التي اخترقتها النتوءات من كل حدب وصوب بفعل الزمن، والتي تتيح لماء السماء والغبار الدخول إلى منزله، هذا المنزل بالجدران المتشققة والمتصدعة، كيف أنه بالرغم من كل ذلك استثني من الترميم؟ لكن السموري لا يلبث أن يجيب فوراً عن سؤاله قائلاً «إن التجاذب بين اللجان الأهلية والشعبية والأنروا أرخى بظلاله على بعض الأهالي وهيك طلعت براسنا» من دون يوضح ما هو سبب التجاذب، «فصفّت وكالة الأنروا مع بعض الناس مستبعدة آخرين»، معتبراً أن هذه المشاريع يتم إنجازها كرمى لبعض الناس في المخيم، و ليست موجهة إلى جميع أهله».
المشهد نفسه يتكرر بالنسبة لأبو حسن العلي. فهذا الأخير ترسم التشققات خطوطاً واضحة على جدران منزله المسقوف بألواح الزينكو، المثبتة بدورها بألواح خشبية باتت متخلخلة بفعل الأيام ومياه الامطار التي تتسرب عبر ثقوب في الألواح. وما يزيد الطين بلة، أن أوضاع الرجل المادية الرديئة «لا تسمح لي بدق مسمار في المنزل». وبالرغم من كل ذلك، يضيف بمرارة هازئة «اعتبروني ميسوراً ومش بحاجة، لأن الوضع المادي للوالد كان من زمان.. ميسوراً»!
وبالرغم من أن مشروع ترميم المنازل بات موجوداً على السكة إذ إن «أعمال التكييل التي تقوم بها فرقة الهندسة من قبل وكالة الأنروا قد انجزت ومن المفترض أن يبدأ العمل فعلياً بعد شهرين»، كما يوضح عبد العال، بيد أن الأهالي المشمولة منازلهم بالترميم «مش مصدقين بعد»، فالشعب لم يعد يثق بوكالة الأنروا لكثرة الوعود التي أطلقتها دون أن تنفذ معظمها. ولذلك فإن الحاجة ام خالد التي تنتظر على أحر من الجمر المباشرة بالمشروع لكون منزلها «نكبة من أيام النكبة» تقول لنا وهي تراقب عمال التكييل «ما بقول فول إلا تيصير بالمكيول».




لا تنحصر مشكلة الترميم في مخيم البص بقصة المشروع التي تقوم به الأنروا. فبالنسبة إلى بعض الميسورين، وإن كانوا قلة فيه، يبدو أن إدخال أي «مسمار» إلى المخيم يحتاج إلى إجراءات روتينية تكاد تطول لشهرين، لكونه «يستلزم الاستحصال على ترخيص من ثكنة الجيش» حسب مسؤول اللجان الأهلية داخل مخيم البص أبو عبد العال، وهو يقول «إن هذه الإجراءات هي نتيجة قرارات سياسية عليا، والجيش لا علاقة له بها، بل يحاول في بعض الأحيان تسهيلها»، كاشفاً أن الأنروا تقوم مؤخراً، بتجميع طلبات الراغبين بإدخال مواد البناء وإجراء المعاملات اللازمة لذلك».