الطفل يلعب في المخيم، تلفته كلمات لمحمود درويش وأخرى لغسان كنفاني الذي اغتاله العدو بسبب مواجهته لأكاذيبه ونشر الروح الفدائية في أعمال أدبية. وكذلك تلفته لوحات حنظلة للفنان ناجي العلي الذي اغتاله العدو نفسه للسبب نفسه، وكل اللوحات والكتابات مرسومة على حيطان البيوت. يستوقفه رجل ويسأله «إنت ابن فدائي؟». والرجل يشبه أباه في شيء ما. يهزّ الطفل رأسه مؤكداً، فيبسط الرجل راحته التي فيها بضع طلقات أمام وجه الطفل، ويطلب منه أن يعطيها لأبيه.
يشرد الطفل في الكنز الثمين أمامه: بضع طلقات يقسمها في خياله على الشكل الآتي: واحدة أشعل النار تحتها وأطلقها، واحدة أعطيها هدية لصديقتي، والباقي أخرج البارود منه وأشعله، كاتباً به اسمي واسم صديقي المفضّل على هذا الحائط العالي، أما رؤوس الرصاصات فأعلّقها بخيط وألبسها، فتتحول سلاسل جميلة، وقد أحتاج إلى شمعة لتحمية البارود وسلك حديد... .
«هذه ليست أغراضاً للعب، بل أمانة لأبيك وهو ينتظرها». يخاطبه الرجل من جديد، واضعاً الرصاصات في راحتَي الطفل الصغيرتين. قبل تلك اللحظات بالذات، دلّى رجل ساقيه من على سقف منزله الزينكو بعد أن غطاه بالشمع النيلوني. تتدلى ساقا الرجل في الهواء ويفكّر للحظات، يقيس بنظره المسافة التي تفصله عن الهبوط، ليتأكّد من أنه لن يرتطم بأحد أثناء القفز. يذكر بـ«عرف المشاكل» غير المكتوب: «ياما مشاكل دبّت بين فدائية: بكونوا عم بيرقعوا الزينكو المثقوب، وهني عم بينزلوا على الأرض بيرتطموا بفدائية تانين بكونوا تحت. وهادول قبل ما يستوعبوا وين كانوا الأوائل قبل النزول بيدب المشكل». المهم إنّو هذا الرجل يأخذ نفساً قبل أن ينزل، فيرى أثناء ذلك مشهد كفّي الصبي المفتوحتين أمام الرجل، من دون أن يسمع الحديث بينهما، بسبب صوت الهواء. يعجبه المشهد، فيقرر أن يضيف إلى المشهد صوتاً من عنده. وبحكم مهارته الموسيقية، يؤلّف لحناً تصويرياً للمشهد. وبالفعل، في عصرونية اليوم التالي، يحكي الموسيقي لجاره عن مقطوعته الجديدة، ومصدر الإيحاء. تعجب الفكرة الجار فيخبر أخاه المسرحي الذي يتشجّع، ويكتب مسرحية قائمة على الصورة نفسها. تنجح المسرحية وتلقى دعماً أممياً وتتداول أخبار نجاحها الصحف ووسائل الإعلام، وتصبح حديث الناس الشاغل. الناس يفرحون، فهم يدعمون القضيّة الأمميّة الأولى: قضية فلسطين. يذهب بعضهم منتشياً أو سكراناً أو في حالة مزاجيّة ما. ويفرّغ كل ما لديه في القضيّة وفي المسرحيّة التي يشاهدها. فيفرح مع البطل ويغضب معه ويحزن، ويثار بما يسمى تواطؤاً مع أشخاص المسرحية. الفدائي الحقيقي (في المخيم خارج المسرحية) يفرح لأن شعوب الأرض تنقل ما يحاول عدوه تخبئته. ويرضى عندما يرى إنساناً يشبهه يقاوم ظلماً ويغلبه. يعطيه دفعة إلى الأمام. ولكنه لا يعرف كيف تصبح قضيته في الخارج.
* من أعضاء فرقة الراب الفلسطينية «كتيبة 5»