يروي أحد المقرّبين من إسحاق شامير أنه عندما انهار الاتحاد السوفياتي، قال له الأخير إن سقوط الإمبراطورية الشيوعية يعود إلى عدم محافظة القائمين عليها على الإيديولوجيا. والإيديولوجيا، السمة الأبرز التي طبعت السلوك السياسي ـــ ومن قبله العسكري ـــ لشامير. هي التي حددت معالم سيرته كرئيس وزراء سابعٍ لإسرائيل، كما حددت معالم نهاية هذه السيرة عندما سبّب ذهابه، وإن مرغماً، إلى مؤتمر مدريد عام 1991 انفضاض الشركاء اليمينيين في حكومته عنه، وأفضى ذلك إلى سقوط الحكومة. وكزعيم مشبع بالإيديولوجيا الصهيونية، بنسختها الأصلية التي تعتقد بفكرة أرض إسرائيل الكاملة على ضفتي نهر الأردن، آمن شامير بأن السبيل الأجدى للحفاظ على مصالح إسرائيل هو المراوحة، من خلال المراوغة وإجهاض المبادرات السياسية القائمة بمعظمها على مبدأ تقديم تنازلات متبادلة. نهج قاده حتى إلى الامتناع عن التصويت على اتفاقية كامب دافيد، علماً بأنه كان يشغل حينها منصب رئيس الكنيست، وإلى تبييت النية على إفراغ المفاوضات التي انطلقت بعد مؤتمر مدريد من مضمونها. وهو ما كشف عنه لاحقاً حين قال إنه كان يعتزم التفاوض لعقود. وشامير، الذي كان حتى لا يبدي حرصاً شكلياً على سعيه إلى تحقيق السلام مع الفلسطينيين، إلى درجة أن مقربين منه رووا أن توقيع اتفاقيات أوسلو كان بالنسبة إليه مدعاة للحزن والتفجع، اشتهرت عنه عبارته الشهيرة التي تعكس أكثر من أي شيء آخر رؤيته السوداوية لفرص التوصل إلى سلام حقيقي: البحر هو نفس البحر والعرب هم نفس العرب، في إشارة إلى عدم ثقته بإمكان حصول أي تغيير في الموقف لدى العرب من إسرائيل.
الشخصية الإيديولوجية لإسحاق يزرانيتسكي، المولود في بولندا عام 1915، تشكلت منذ صباه عندما انضم إلى حركة بيتار الصهيونية ذات الميول العسكرية التي أسسها الأب الروحي لليمين الصهيوني، زئيف جابوتنسكي. ومع هجرته إلى فلسطين عام 1935، محوّلاً اسم العائلة إلى شامير، ترجم عقيدته السياسية من خلال الانتساب إلى منظمة «إيتسل» العسكرية التي قاتلت في حينه البريطانيين والفلسطينيين لطردهم من «أرض إسرائيل». إلا أن «إيتسل» لم تعكس مستوى التشدد اللازم بالنسبة إلى شامير، فعمد مطلع عام 1940 إلى الخروج منها وتأسيس منظمة «ليحي» بالتعاون مع أبراهام شتيرن.
وبعد مقتل شتيرن على أيدي البريطانيين، تزعم شامير المنظمة وأشرف من موقعه على محاولة اغتيال المفوض البريطاني السامي في فلسطين، اللورد ماك مايكل، وعلى اغتيال كل من ممثل بريطانيا الأعلى في الشرق الأوسط اللورد موين، وكذلك على اغتيال المبعوث الدولي إلى فلسطين البارون فولكا برنادوت في القدس. إبان فترة الانتداب، اعتقل شامير مرتين على أيدي البريطانيين، لكنه نجح في الفرار، وتحديداً من سجن في أريتريا كان نفي إليه، وتوجه من هناك إلى جيبوتي وبعدها الى باريس ثم الى فلسطين عشية إعلان دولة إسرائيل. وغداة إعلان قيام الدولة، بقي شامير في الظل حيث شغل منذ عام 1955 عدة مناصب في الموساد. وفي عام 1965، انتقل إلى العمل السياسي من ضمن حزب «حيروت» بزعامة مناحيم بيغين، وانتخب عام 1974 على لائحته عضواً في الكنيست التي صار رئيساً لها في انتخابات عام 1977. وفي عام 1980، تولى حقيبة الخارجية في حكومة بيغين الأولى، ثم خلف بيغن في رأس حكومة الليكود عام 1983 بعد استقالة هذا الأخير بسبب الغرق في مستنقع الحرب في لبنان.
وفي عام 1984 تألفت حكومة وحدة وطنية تولى رئاستها شيمون بيريز عن العماليين، وإسحق شامير عن الليكود، بموجب اتفاق تناوب حتى عام 1988. ثم تولى شامير من جديد رئاسة حكومة يمينية من 1988 إلى 1992. وخلال هذه الولاية أقنع شامير الإدارة الأميركية بالامتناع عن فتح أبواب الولايات المتحدة أمام اليهود المهاجرين من الاتحاد السوفياتي لتكون وجهتهم « إسرائيل»، الأمر الذي أدى إلى انتقال نحو مليون يهودي إلى فلسطين المحتلة خلال أعوام قليلة في مطلع التسعينيات. وفي أعقاب خسارة الليكود انتخابات عام 1992، انتقل شامير إلى المقاعد الخلفية، قبل أن يعلن اعتزاله العمل السياسي عام 1999 احتجاجاً على «التنازلات» السياسية التي قدمها بنيامين نتنياهو كرئيس لحكومة الليكود. وبرغم تاريخه الحافل، وكون فترة ولايته لرئاسة الحكومة الإسرائيلية هي الأطول بعد دافيد بن غوريون، لم يخلّف ابتعاد شامير عن الحلبة السياسية أي ترددات، بل إنه دخل سريعاً حيز النسيان الذي أسهمت فيه إصابته بمرض الزهايمر حيث أمضى السنوات الأخيرة من عمره في دار للعجزة.