لا شك أن قناة الميادين تجربة ريادية مهمة في الإعلام العربي وخصوصاً أنها تعد القناة الأولى التي تلتزم خط «المقاومة»، ومن العلامات الفارقة في هذه التجربة الريادية، فقرة «تحريك حنظلة» ورسوم ناجي العلي عبر التقنيات الحديثة.لا أعرف إن كنت قد أحببت الفكرة لكنها لم تشدني لمتابعتها أو الإهتمام بها.

لا بل إني احسست بعد حين إاني أستهجن أن يعاد تحريك رسم كاريكاتوريّ، من المفترض أن يرسل رسالة او يوضح موقفا أو يصور قضية بشكلها النهائي؛ رسم واحد جامد، لو أن العقول الإبداعية التي تولت هذا المشروع استخدمت الشخصيات الأصلية في قصة جديدة، وتحريك جديد، لكان هناك استمرارية في الفكرة الأصلية لرسوم ناجي العلي.
لا أحد وصي على ناجي، بل كان هو الوصي والبوصلة على نهج ثوري حقيقي ينتمي للحق التاريخي للشعب الفلسطيني، بل لأبسط الحقوق، وهي الحرية والعودة والتحرر، وقضية تعدّ اليوم ضرباً من الخيال، في واقع التشرذم والخراب الذي نعيشه، اثر «ربيع» لم يؤمن الرخاء والاستقرار سوى ل..الكيان الصهيوني!
صحيح ان الفكرة لطيفة، لكنها تخلق نوعاً من الوصاية على ناجي العلي، عبر فرض ما يفترضه خيال القائم بعملية التحريك! كأن السيناريو «التتمة»، يغتال الكاريكاتير بالوصاية!
هناك تجارب لرسامي كاريكاتير بتحريك شخصيات في نوع من «كرتون كاريكاتوري»، لكني لم أصادف إعادة لكاريكاتير عبر قصة ولو من الرسام نفسه، فما بالك بمشروع فكري مهم مثل ناجي العلي، وما قدمه من رسوم أعدّها مرجعاً فكرياً لما استشكل علي "شخصياً" من موقف سياسي أو خبر هنا أو هناك. ناجي العلي وأغاني «مولانا» الشيخ إمام وقصائد مظفر النواب، هي كلها نوع من دليل ومرجع يتخطى الوقت ليدلنا بإشاراته على ما كان الأمر عليه. ...وإعادة خلق هذه الأعمال بمعزل عن المؤسس أو الكاتب الأصلي هي نوع من اعتداء برأيي، او لنقل وصاية غير مستحبة أخلاقياً لما يمثله هذا الفنان الثوري والشهيد.
قد يوافق البعض على هذا الاجتهاد الشخصي تماماً، وقد يعترض البعض، لكن هذه مجرد قراءة تعبر عن رأيي. إن شعباً يحفظ حقه بالعودة حتى بعد موته لا يستأهل وصاية إبداعية على أحد أعمدة تراثه النضالي. نعم يحتفظون بحق العودة حتى بموتهم، كيف؟
كنت أتمنى أن تسنح فرصة لأصحاب الأفكار الإبداعية في الميادين وأي وسيلة إعلامية "مقاومة" أن يزوروا مقبرة الرصيفة في محافظة الزرقاء الأردنية ليروا كيف أرشف هؤلاء الموتى لقضيتهم في الحياة وحتى في "البرزخ الذي يقبعون به". على شاهد القبر ستقرأ ببساطة دعوة لقراءة سورة الفاتحة على روح المرحوم فلان الفلاني المولود سنة كذا والمتوفى بتاريخ كذا وبعد اسم المرحوم قوسين صغيرين فيهما (من يافا) أو من (العباسية- قضاء اللد) ـ أو من (الفالوجة – قضاء غزة) ببساطة أرشفة تاريخية وحفظ بعد الموت لقيمة العودة والوطن أبدع معانيها ناجي العلي ودفع حياته ثمناً لإيمانه بهذه القضية ..هذه القيم لا تستحق من قناة مثل الميادين ان تهملها او ان تتعجل التصرف بصددها بعقلية الوصاية.
بقي أن أؤكد أن هذا الرأي لا يندرج تحت باب النقد أو الردح بل من منطلق محبة للميادين والزملاء الأعزاء فيها ..