فداء عيتاني يقف رئيس الحكومة سعد الحريري أمام مفترق الطرق الصعب، فهو من جهة يمكنه ممارسة العناد، ولكن عليه سداد فاتورة عناده وعناد المحيطين به، وطفوليّتهم في مقاربة المواضيع الرئيسية المطروحة أمام البلاد، وليس أقلّها المال العام الذي أُهدر، والذي ربما لن يجد من يطالب به من قوى المعارضة السابقة، والمحكمة الدولية التي يعدّها البعض السبيل الوحيد للحكم والإمساك بالبلاد والالتحاق بالراعي الأميركي الضامن للبلاد.
ومن جهة أخرى، هناك التوجه نحو ترك المعارضة السابقة تكسب بالنقاط، وإعطائها ما تطالب به من إلغاء مفاعيل القرار الاتهامي محلياً، وتحويل ملف شهود الزور إلى المجلس العدلي، وضمان أنّ أيّ قرار اتهامي يشير الى حزب الله مباشرةً أو مداورةً سيُنبَذ لبنانياً.
يعلم رئيس الحكومة أنّ الرئيس السوري بشار الأسد لن يضغط على الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، فهو يعرف أن شعاب مكة حادة ومتعرجة بما يكفي لإضاعة الجهد وخسارة ما يمكن كسبه هناك. والأمير عبد العزيز بن عبد الله في موقع صعب نظراً إلى كثرة الأقاويل التي تطاوله في بلاده عن علاقته ببشار الأسد، وعلى الرغم من أن الجناح الآخر في المملكة، الذي يضم خليطاً واسعاً، ليس في أحسن أيامه، فمن الأمير بندر بن سلطان الذي عاد بتسوية عائلية إلى البلاد أدت إلى وصوله مباشرةً إلى مقر الإقامة الجبرية، وإلى آخرين، فإنّ هناك هامشاً يمكن لهذا الفريق أن يستهدف من خلاله العلاقات السعودية السورية بالسوء والضرر.
ويعرف رئيس الحكومة أنّ الأمير عبد العزيز بن عبد الله سيزور سوريا قريباً، لتكريس ما أُنجز حتى اليوم، وهي زيارة قد تكون بعيدة عن الإعلام، ولكن ربما لا يعرف الحريري أن الأمير عبد العزيز بن عبد الله، الذي كان يحسب سعد الحريري من ضمن حصته، قد طرح في أحد النقاشات أن يُنحَّى الحريري عن رئاسة حكومة لبنان إذا كان ذلك يمكن أن يؤمن مجموعة مصالح، وخاصةً أنّ الحريري الشاب خيّب الكثير من التوقّعات.
هذا السياق الذي يعتقد الحريري أنه يؤمّن له النفوذ، وأنه يحفظ له قدرته على المناورة، ويضيف إليه الحريري الشاب رؤيته للعلاقات بين وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وفريقها، ومن أبرز رموزه جيفري فيلتمان، وبين الرئيس الأميركي باراك أوباما وفريقه، الذي يحتل فيه الصدارة في المنطقة جورج ميتشيل وفريدريك هوف وغيرهما، وأن العلاقات المتعارضة بين الوزيرة التي تطمح إلى احتلال مركز الرئاسة والرئيس الذي يسعى إلى إحراز تقدم ما في المنطقة، يمكّنه ـــــ هو سعد رفيق الحريري ـــــ من اللعب على التناقضات الدولية، والحفاظ على مكانته في لبنان.
ما يدافع عنه رئيس الحكومة اليوم ليس المحكمة ولا استقلاليتها ولا القرار الاتهامي، ولا أياً من هذه الشعارات البرّاقة، فهو يقول لبعض من هم حوله إنّ سوريا تحاول إبعاد جماعتي من حولي تحت حجة أنهم يضلّلونني، وأن سوريا تريد أن تبعد وسام الحسن وأشرف ريفي وسعيد ميرزا، وهي تقايضني مقابل إلغاء قرارات التوقيف الصادرة بحق جماعتي بتنحية الضباط، وأن الملك عبد الله قرر تأجيل القرار الاتهامي ستة أشهر بعد تلميحات سورية بأن ذلك يخفف من الأزمة ويؤجلها، ولكن حزب الله لا يزال يطالب بالمزيد وسوريا ترسل إلى الدول القريبة والبعيدة أنها غير راضية.
ويشكو سعد الحريري إلى من هم حوله ممّن يعدّهم الخلّص من أصدقائه أن سوريا وحزب الله يحاولان تجريده من كل المعطيات التي تسهّل له عملية الحكم وتمثيل لبنان في الداخل والخارج. يضيف إنه لم يعد يجد ما يقوله أمام الناس، فكلّما طلبا التأجيل اضطر إلى الإذعان، وكلّما قرّرا فتح ملف وُضع تحت ضغط التغيير بالقوة، وإذا حاول المفاوضة تُستخدم كل الأساليب معه لليّ ذراعه.
ويقبل اليوم سعد الحريري ما لم يقبله في الأمس، إذ إنه يوافق من حيث المبدأ على قرار محاكمة شهود الزور، ولكن فليتمّ الأمر من دون أن يتلوّث هو به، أو يُحسب عليه. إذاً فليذهب الموضوع إلى التصويت، وليقرر مجلس الوزراء إذا ما تمكّن حزب الله من توفير الأكثرية (التي تتطلّب تصويت وزراء رئيس الجمهورية والنائب وليد جنبلاط إلى جانب وزراء المعارضة سابقاً) لتحويل ملف شهود الزور إلى المجلس العدلي، وعندها فإن سعد رفيق الحريري سيوافق انطلاقاً من «قيمه الديموقراطية».
تبقى نقطة أخيرة، أنّ سعد الحريري نفسه، سيعمل جاهداً على تأجيل صدور القرار الاتهامي لمدة ستة أشهر إضافية بعدما أجّله الملك عبد الله ستة أشهر سابقاً. والاتكال على الله.