سمير القنطار شهيداً: الحساب المفتوح | أتى اغتيال المقاوم سمير القنطار في سياق معركة مفتوحة بين المقاومة والعدو الإسرائيلي، أخذت وتأخذ أشكالاً وصيغاً متعددة. وبين ما تعكسه عملية الاغتيال أن المقاومة التي تخوض معارك قاسية في مواجهة الجماعات التكفيرية حاضرة بقوة في مواجهة العدو.كذلك يأتي استهداف القنطار امتداداً للاعتداءات التي تنفذها إسرائيل ضد محور المقاومة على الأراضي السورية، تارة تحت شعار استهداف قدرات نوعية للمقاومة وأخرى باستهداف كوادرها، وأحياناً باستهداف نقاط الجيش السوري. و«المفارقة» أن كل هذه الاعتداءات تنفذها إسرائيل تحت شعار «الحياد» في المعركة الدائرة على أرض سوريا. هذا من دون الحديث عن موقع إسرائيل كدور وهدف في مجمل هذه المعركة، وهو ما لمّح إليه رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، الشهر الماضي، بالقول: «إسرائيل ستكون مشاركة في المجمل العام (في مساعي الحل السياسي بشأن سوريا)... ولن نسمح لإيران وحزب الله بتحويل سوريا إلى قاعدة أمامية لهما، وسنواصل الدفاع عن مصالحنا».

رهانات العدو


رغم إخفاق محاولة إسقاط النظام السوري، وعلى رأسه الرئيس بشار الأسد، بهدف استبداله بنظام معادٍ للمقاومة في لبنان والمنطقة، فإن المعركة التي يخوضها محور المقاومة على الأراضي السورية، أنتجت ما رأت فيه إسرائيل فرصة تسمح لها بتوجيه ضربات مدروسة ومحددة ضد قدرات نوعية تقول إنها في طريقها إلى حزب الله في لبنان (بغض النظر عمّا إذا كانت نجحت في تحقيق أهدافها)، وأخرى ضد كوادر المقاومة. وتستند إسرائيل في تقدير هذه الفرصة التي بنت عليها خططاً عملانية نفذتها على امتداد السنوات الماضية إلى تقدير مفاده أنه في الوقت الذي يخوض فيه الجيش السوري وحزب الله معارك قاسية ضد الجماعات التكفيرية، ليس من مصلحتهما الرد على هجمات مدروسة وموضعية، تفادياً لفتح جبهة إضافية تتكامل مع الجبهات المفتوحة على أيدي الجماعات التكفيرية. وفي إطار هذه الرؤية، انطلقت إسرائيل في اعتداءاتها التي توزعت على مساحة واسعة من الجغرافيا السورية، وتأتي ضمنها عملية اغتيال القنطار.
في السياق، يأتي توقيت عملية الاغتيال، إلى جانب الأبعاد الميدانية والموضوعية التي عادة ما يكون لها أثرها ودورها، في ظل ذروة الهجوم المضاد الذي يشنّه محور المقاومة ضد الجماعات التكفيرية التي تتراجع أمام تقدم الجيش السوري في ريف حلب الجنوبي وريف اللاذقية، وفي ظل المعركة الدائرة في منطقة ريف حمص ضد تنظيم «داعش» القريب من طريق دمشق ــ حمص؛ بمعنى أنه في الوقت الذي يحقق فيه الجيش السوري وحلفاؤه الانتصارات المتوالية، ويحرص على ألا ينشغل بما يؤدي إلى عرقلة عمليات التقدم، أتى الاعتداء الإسرائيلي بالأسلوب والمكان، اللذين شهدناهما.

لماذا في سوريا؟

لم يكن قرار العدو اغتيال القنطار في سوريا أمراً عابراً، بل لكونها ساحة الصراع والمعركة التي يخوضها محور المقاومة في مقابل كل الذين تقاطعت مصالحهم وأهدافهم على ضرب المقاومة وحلفائها الاستراتيجيين، ولأن سوريا هي ساحة المقاومة في هذه المرحلة، وساحة تحرك القنطار نفسه، ولأن دمشق هي خط الدفاع الأمامي في مواجهة كل المتربصين بالمقاومة وخيارها وأطرافها. أيضاً، ينبغي القول إن إسرائيل استطاعت أن تحدث تعديلاً في المعادلات التي تحكم حركة الصراع بينها وبين المقاومة، بفضل الجماعات التكفيرية، وهو ما وسَّع هامش حركتها في موقع المبادرة، وحتى الرد في سوريا، على الأقل.

لماذا عبر سلاح الطيران؟


رغم أن الهدف هو الاغتيال، ولا فرق بين هذا الأسلوب أو ذاك، ما دام الهدف واحداً، لكن لأسلوب التنفيذ وأدواته موقعها ودلالاتها في معادلات الصراع. وهو أمر له سوابقه في التاريخ القريب والبعيد من حركة المواجهة مع إسرائيل. الدلالة التي يعكسها الاستهداف العسكري المباشر وعبر سلاح الطيران تحديداً، أنه لم يكن في وسع العدو استهداف القنطار بالأساليب الأمنية في هذه المرحلة على الأقل. ومن الطبيعي أن يكون ذلك بفعل الإجراءات التي يفترض أنه يتخذها في حركته، وهو ما حال دون نجاح العدو خلال الشهور الماضية في استهدافه. وانعكس حضور ذلك على المهداف الإسرائيلي خلال المرحلة السابقة، فقد تناوله بالاسم في عدد من التقارير الإعلامية التي أسهبت في دوره المقاوِم في مواجهة إسرائيل.
المقاومة غير مقيّدة بتوجّهات الروس ولا هم ملزمون بأولويات المقاومة

على ضوء ما تقدم، يمكن القول إن تعذر استهداف القنطار بأساليب أمنية، وضع صانع القرار السياسي والأمني في تل أبيب أمام خيارين: إما اللجوء إلى الأسلوب العسكري المباشر (سلاح الطيران)، أو التكيّف مع نشاط القنطار المقاوم على الجبهة السورية، في انتظار توافر فرصة ميدانية ملائمة قد لا تأتي. ولكن، يبدو أن قيادة العدو ضاقت ذرعاً بإصرار المقاومة على خيارها الكفاحي، فعبّرت عن ذلك على ألسنة مسؤوليها الأمنيين والسياسيين في أكثر من مناسبة، عبر توجيه رسائل وتحذيرات حادة، وصولاً إلى اللجوء إلى سلاح الجو لتنفيذ الاغتيال.
كذلك يبقى للمعطى الميداني والاستخباري دوره الأساسي في تنفيذ مثل هذا النوع من الاعتداءات. ويبدو أن الاستخبارات الإسرائيلية وفّرت فرصة ما، رأت فيها القيادة أنها ينبغي ألا تُفوّت، مع التأكيد على أن اعتبارات صانع القرار السياسي عادة أوسع من اعتبارات الأجهزة المهنية والعملانية، وهو يتخذ قراراته على ضوء أولوياته وتقديراته للمفاعيل السياسية لأي قرار.

رسائل إسرائيل


ينبغي النظر إلى حقيقة أن إسرائيل ترى أن اغتيال القنطار يأتي ضمن إطار الخطوط الحمر التي يرددها مسؤولوها، ومن ضمنها منع التسليم بأي نشاط مقاوم انطلاقاً من الأراضي السورية. مع ذلك، من الواضح أن إسرائيل أرادت، إلى جانب اغتيال أحد الناشطين في هذا المسار، توجيه رسالة مفادها أنها لن تتهاون مع أي نشاط للمقاومة انطلاقاً من سوريا. كذلك أرادت إحداث تعديل في المعادلة على الأراضي السورية، تنطوي على توسيع هامشها ودائرة اعتداءاتها. ومن أبرز معالم هذا الهامش الجديد، حقها في اللجوء إلى كل الأساليب التي تملكها. وفي الوقت نفسه، حاولت إسرائيل الإيحاء بأنها على استعداد لتحمل الأثمان المقابلة والاستعداد لكل السيناريوات، مع أنها في الحقيقة تستند إلى دور الجماعات التكفيرية التي تشغل الجيش السوري وحلفاءه، الأمر الذي قد يدفع قيادة المقاومة إلى تجنّب فتح أكثر من جبهة.
في المقابل، يأتي اغتيال القنطار، ومن سبقه من كوادر حزب الله، بأساليب مشابهة لجهة استخدام سلاح الطيران، ليضيء على رسالة المقاومة التي تؤكد نشاطاتها أن انشغالها في مواجهة الخطر التكفيري لن يكون على حساب أولوية محاربة العدو الإسرائيلي، وإعداد البنى التحتية لمقاومة سورية في الجولان.
يبقى أن نشير إلى حقيقة أن هذا الاغتيال يأتي بعد مجيء القوات الروسية إلى سوريا. وهو يضيء على معالم التنسيق التي تمت صياغتها بين الجيشين الروسي والإسرائيلي. ويؤكد حقيقة أن مجيء الجيش الروسي إلى سوريا لم يكن، ولن يكون، ضمن سياق تحالفات تتصل بالصراع مع إسرائيل، بل على خلفية تقاطعات تتصل بمواجهة التهديد الإرهابي المحدق بالدولة السورية وبالأمن القومي الروسي.
كذلك ينبغي التذكير بحقيقة أن العلاقات الثنائية بين موسكو وتل أبيب، التي تشمل مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، هيّأت الأرضية للتنسيق القائم على تحييد الروسي عن حركة الصراع بين إسرائيل والمقاومة. نتيجة ذلك، لا يقف الجيش الروسي في مواجهة الإسرائيلي ما دام أداؤه يندرج ضمن إطار الصراع مع المقاومة ولا يتصل بمجريات المعركة مع الإرهابيين. لذلك، فإنه لا المقاومة ملزمة أو مقيّدة بتوجهات الروسي في هذا المجال، ولا الجيش الروسي ملزم بأولويات المقاومة.