شيعت طرابلس أمس جثمان الرئيس عمر كرامي في مأتم سياسي وشعبي واسع ومهيب، يذكّر بتشييع جثمان شقيقه الرئيس الشهيد رشيد كرامي عام 1987. وشاركت في تشييع كرامي أمس شخصيات لم تزر طرابلس منذ سنوات، وتحديداً منذ اندلاع جولات الاشتباكات فيها مطلع عام 2011، ومثّلت مشاركتها في تشييع «الأفندي» حضوراً رمزياً معبّراً للدولة في طرابلس وفي عودتها إليها، كما دلّ الحضور السياسي الواسع عن المكانة التي احتلها كرامي في الوسط السياسي اللبناني.
فقد تقدّم المشاركين في جنازة كرامي الرؤساء ميشال سليمان وتمام سلام ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة بصفته الشخصية، وممثلاً الرئيس سعد الحريري، وحسين الحسيني، والنائب علي بزي ممثلاً الرئيس نبيه بري، ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، ووفد من الحزب التقدمي الاشتراكي يتقدمه تيمور جنبلاط والوزيران وائل أبو فاعور وأكرم شهيب ونواب ومشايخ دروز، والوزيران جبران باسيل والياس بو صعب، على رأس وفد من التيار الوطني الحر، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، فضلاً عن وزراء ونواب حاليين وسابقين، وحشود شعبية طرابلسية وشمالية .
وكان جثمان كرامي قد وصل إلى طرابلس وسط أجواء حداد وحزن، وأغلقت أغلب المؤسسات والمحال التجارية أبوابها، وألغيت جميع النشاطات التي كان مقرراً تنظيمها في المدينة، وانتشرت الرايات السود حزناً في أنحائها، وكذلك رفعت لافتات الراحل وصوره، فضلاً عن بث آيات قرآنية من مآذن المساجد ومن مكبرات صوت انتشرت في مختلف أنحاء طرابلس.
وسبق وصول جنازة كرامي إلى مسقط رأسه، بعد نقله صباح أمس من مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، إغلاق قوى الأمن الداخلي معظم الطرقات، ومنعها وقوف السيارات على جانبيها من مستديرة السلام، منزل كرامي في المعرض، مروراً بشارع الميناء وساحة عبد الحميد كرامي وساحة التل وشارع الراهبات، مستديرة النجمة، محيط الجامع المنصوري الكبير، وصولاً إلى محيط جامع طينال وجبانة العائلة في باب الرمل.
وقبل وصول جثمان كرامي إلى طرابلس توقف في محطات عدة، ولا سيما بعض ساحات بيروت وجونية وجبيل والبترون والقلمون، حيث أصر الأهالي على إنزال النعش ورفعه على الأكف.
ومع أن الأمطار التي هطلت بغزارة لحظة وصول نعش كرامي إلى طرابلس أصابت المنظمين بإرباك كبير، ومنعت كثيرين من المشاركة في الجنازة، فإن مشاركة سياسية وشعبية واسعة رافقت الراحل في رحلته إلى مثواه الأخير، حيث اخترق النعش شوارع طرابلس وساحاتها من أمام مكتبه في كرم القلة، وصولاً إلى الجامع المنصوري الكبير، حيث أمّ المفتي عبد اللطيف دريان المصلين في صلاتي الجمعة والجنازة.
وألقى دريان خطبة أشار فيها إلى أنه كان يتمنى أن يزور طرابلس «في غير هذا اليوم الحزين، الذي فقدنا فيه ركناً وطنياً من كبار هذا الوطن، وهذه المدينة المناضلة. وكنت أعد نفسي لهذه الزيارة بعد انتخابي مفتياً للجمهورية اللبنانية، من أجل لقاء أهلي وإخواني وأحبائي من العائلات الطرابلسية الكريمة والأصيلة، ولكن إرادة الله فوق كل إرادة، ومشيئته تعلو فوق كل مشيئة».
ورأى دريان أن «طرابلس عانت كثيراً، وعانت طويلاً، وهي لا تزال تعاني الإهمال والحرمان، ولا تزال تدفع غالياً ثمن التحريض على الفتن المصطنعة، وتشويه السمعة الحسنة. لم توف طرابلس حقها كعاصمة لبنان الثانية، بل لم توف حقها كمدينة كبرى لها تاريخها الحافل، ولها أصالتها المشرقة، ودورها الرائد في العمل الوطني، وفي الثقافة العربية والإسلامية».
وأكد دريان أن «من حق طرابلس علينا جميعاً، أن نعمل على رفع الظلم عنها، حتى تعود إلى ممارسة دورها التاريخي، الذي يعتز به ونعتز به جميعاً، مدينة للعلم والعلماء، ومنبراً حراً للرأي السديد، وواحة للاعتدال والسماحة والعيش المشترك»، مشيراً إلى أنه «لا يمكن أن يلتقي العلم مع التطرف، ولا الفكر مع الإلغاء، ولا يمكن أن تلتقي السماحة مع الإرهاب، ولا العيش المشترك مع رفض الآخر».
وبعد انتهاء صلاة الجنازة، نقل جثمان كرامي إلى مقابر العائلة، حيث ووري الثرى، قبل أن يقيم نجله فيصل وعائلة كرامي، وليمة على شرف المشاركين في تشييع والده، في مطعم الشاطئ الفضي في الميناء، على أن يجري تقبل التعازي بالراحل اليوم وغداً في قاعة معرض رشيد كرامي الدولي في محلة المعرض.