انطوان سعدتُعرب أكثر من شخصية في القوى المنضوية في إطار تحالف الأقلية النيابية، في أوساطها الضيقة، عن انطباع تكوّن لديها، في الآونة الأخيرة، مفاده أن المرجعيات الأساسية في هذا التحالف، غير مهتمة فعلياً بالفوز بأكثر من نصف المقاعد النيابية في الانتخابات المقرر إجراؤها في السابع من حزيران المقبل. وتضيف أنها تعتقد أن جلّ ما تسعى إليه هو الحفاظ على ما لديها من مقاعد، وإذا أمكن زيادتها قليلاً، في بعض المناطق، لكن من غير الوصول إلى حد الفوز بالأكثرية المطلقة من المجلس النيابي العتيد.
وبحسب هذه الشخصيات، ومنها من هو نائب أو وزير أو سفير سابق، ثمة دافعان سياسي واقتصادي وراء هذا الموقف. ويتمثل السياسي بما سيترتب على تحالف الأقلية، إذا أصبح أكثرية برلمانية، من مسؤولية الالتزام بالقرارات الدولية، وخاصة القرار 1701 الذي يلتزم به حزب الله عملياً، لكن من غير أن يعلن ذلك بهدف عدم إراحة إسرائيل لحدودها الشمالية مع لبنان. فمنذ انسحاب القوات الإسرائيلية في عام ألفين، كان مطلب عدم إرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب لمنع تجاوز الخط الأزرق يندرج في هذا الإطار، تحت عنوان عدم طمأنة إسرائيل. وكانت عمليات المقاومة الإسلامية المحدودة تتركز في محيط مزارع شبعا وتتجنّب المسّ بالخط الأزرق، من دون الاعتراف رسمياً بهذا الخط. وبتحمله مسؤولية الحكومة المنبثقة من الانتخابات المقبلة، يخسر حزب الله ما بقي من هامش تحركه البسيط، وهذا ما لا يبدو أنه مستعد له.
وعلى المستوى السياسي أيضاً، لا يبدو الحزب متحمساً لمواجهة تداعيات تأليف حكومة برئاسة شخصية سنية مناوئة لرئيس كتلة نواب المستقبل النائب سعد الدين الحريري، وبالتالي للسعودية التي شرعت بمحاولات تقارب جدية مع الرئيس السوري بشار الأسد. ورغم أن الأجواء المحيطة بهذا التقارب، توحي أن الاتفاق كان على تنظيم الخلاف بين الطرفين أكثر من حله، ليس في وارد حلفاء دمشق أن يسببوا انتكاسة هذه العلاقة الإيجابية المستجدة، إضافة إلى عامل عدم الرغبة في إيصال حكومة تكون معرضة للتعامل معها ببرودة على الأقل من جانب معظم الدول العربية وكذلك المجتمع الدولي اللذين يفضّلان التعاطي مع حكومة تؤلفها قوى الرابع عشر من آذار أو من جانب قوى مستقلة متفاهمة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان.
وبرأي هذه الشخصيات، ثمة دافع اقتصادي وراء عدم حماسة تحالف الأقلية النيابية للفوز بالأكثرية، إذ إنها تخشى، بحسب هؤلاء، أن ترى نفسها مضطلعة بدور مواجهة الظرف الاقتصادي الصعب والحال المالية المتردية في البلاد من جراء الديون المتراكمة. فمنذ عام 1992، تركت المجال مفتوحاً بالكامل أمام الرئيس رفيق الحريري على المستوى الاقتصادي، مكتفية بالحصول على حصتها المقبولة منها من الأموال المهدورة. وقد اقتصر تدخلها خلال العقدين الماضيين على انتقاد سياسة الرئيس الحريري الاقتصادية والتبرؤ منها، لكن من غير أن تسعى للحلول مكانه ومحاولة تقديم رؤية اقتصادية إنقاذية للوضع المتدهور باستمرار. وتضيف هذه الشخصيات التي أدت وتؤدي أدواراً في تحالف الأقلية النيابية أن «المؤسف في هذه المسألة أن فريقنا مقتنع في قرارة نفسه بأن لا قدرة له على إنقاذ الوضع الاقتصادي، ولا سيما في ظل ارتفاع المديونية إلى مستوى قياسي، وتفاقم مشكلات قطاعات مهمة مثل توليد الطاقة». وتردّ إحدى هذه الشخصيات، بالاستناد إلى معطيات جمعتها من مسؤولين في الأجهزة الإدارية الرسمية المعنية، على قلق الأقلية من الفوز، وبالتالي من المسؤولية على الشكل الآتي:
1ـــــ كل قصة أن الرئيس الحريري وفريقه يتمتعون بخبرة وقدرات اقتصادية كبيرة، لذلك يجب أن يُعطوا صلاحيات واسعة في هذا المجال هي واهية، والدليل ما آلت إليه البلاد من مديونية كبيرة.
2ـــــ إن إحجام فريق الأقلية عن الاضطلاع بالشوؤن الاقتصادية لن يؤدي إلا إلى إثراء الفريق المنافس وازدياد قدرته على توفير الخدمات لمحازبيه.
3ـــــ وكذلك الاقتناع بأن الفريق الممسك بزمام الملف الاقتصادي هو وحده القادر على الحصول على المساعدات لدفع المستحقات. لقد أفهمت الجهات المانحة كل المعنيين أن المطلوب هو إجراء إصلاحات بنيوية قبل ضخ السيولة. وبغض النظر عن الهوية للممسك بهذا الملف، إن الجهات الدولية المانحة تحذر من استمرار الوضع على حاله، وهي تنتقد الفريق الحالي ولم تعد مقتنعة بتذرعه بعرقلة خصومها، لذلك هي تشترط الإصلاحات التي إن أقدم الفريق الآخر على إجرائها فلن يكون التجاوب معه إلا أكيداً.
4 ـــــ لم تكن تجربة تولي ملف الاقتصادي من وزيري المالية جورج قرم وإلياس سابا أثناء حكومتي الرئيسين سليم الحص وعمر كرامي سيئة، وبالإمكان الاستفادة منها، من إيجابياتها وسلبياتها، لبلورة خطة إنقاذ جدية. وتنهي هذه الشخصيات تحليلها بالإشارة إلى أن التردد وإبقاء الوضع على ما هو عليه أربع سنوات جديدة سوف يزيد من صعوبة الإنقاذ مستقبلاً. هذا طبعاً، إذا صح افتراضها أن للأقلية قدرة على الفوز وأنها لا تريد بالفعل أن تفوز.