قبل أسبوعين، أحيا الأمين العام للتيار الأسعدي معن الأسعد ذكرى وفاة والده عدنان الأسعد. أمام ممثلين عن حركة أمل وحزب الله وحزب البعث وفاعليات المنطقة، قال إن «التيار الأسعدي على الساحة الجنوبية أمر واقع لا يمكن تجاوزه وشريك في المعادلة مع باقي القوى السياسية. وأثبت أنه كان سبّاقاً في الدعوة إلى المواقف الوطنية والعروبية. والتيار، مع الإخوة في أمل وحزب الله والأحزاب العروبية والقومية والناصرية، جزء من منظومة حلف المقاومة». فهل يمثل الخطاب والتيار الأسعديين فعلاً؟
في السابق، كان التيار الأسعدي وصفاً اصطلاحياً يطلق على مناصري رئيس مجلس النواب الأسبق كامل الأسعد. لكن «معن بك»، بعد وفاة الأخير، حوّل الصفة إلى تيار سياسي صار هو أمينه العام. يحاول تحويل دارته في العاقبية (ساحل الزهراني) التي ورثها عن والده وأعمامه (أنسباء كامل الأسعد)، إلى محل زعامة يظلّله طموح ظاهر للنيابة. منذ الآن، يؤدي دور النائب. يقيم المحامي احتفالات ويضع إمكاناته بخدمة الناس ويعزي ويهنئ. يتنقل بين القرى في موكب من ثلاث سيارات «مفيّمة» وسط مرافقين كانوا، حتى أشهر خلت، يحملون سلاحاً ظاهراً، أخفوه بعد تعرضهم للضرب في الصرفند احتجاجاً على ما وصف بالاستعراض الميليشيوي. برز اسمه بعيد وفاة كامل الأسعد. أحيا الذكرى الأولى لوفاته في العاقبية. لم يكررها. كثر من مناصري الراحل التفّوا في البداية حوله بعد يأسهم من أداء الوريث أحمد. لكنهم سرعان ما انفضّوا عنه لأنه «لا يمثل الأسعدية إلا بالاسم».
تشتّت «الأسعديون» مجدداً. عزلة آخر الزعماء الوائليين، ثم وفاته، وبعثرة نجله أحمد لتاريخ العائلة، ضيّع ما تبقى من أنصارهم في زمن انتقلت فيه زعامة جبل عامل من الطيبة (مقر آل الأسعد) إلى الثنائي الشيعي. الحزب الديموقراطي الذي أسسه الأسعد الأب، حزب سياسي مع وقف التنفيذ حالياً. أما الأسعد الابن، فلم يطأ أرض أجداده في الآونة الأخيرة، لا في صريفا التي يملك فيها بيتاً ولا في الطيبة التي انتقلت دارتها إليه بالوراثة. لكن ماذا عن ورثة الدم الآخرين، أولاده الثلاثة، الإخوة غير الأشقاء لأحمد؟
لا يعرف كثيرون أن لكامل الأسعد أبناء، هم: خليل وعبد اللطيف ووائل، من زوجته الثانية لينا سعد، لم يتجاوز أكبرهم الثلاثين من العمر. كانوا صغاراً عندما احتكر شقيقهم الأكبر الضوء. ولأنه لم يحسن إدارة الإرث، ضيّع عليهم حصتهم منه. لكنهم لم يستبدلوا أحمد بمعن. بين انتقال أحمد إلى ضفة أخرى، وقت كان أشقاؤه تحت سن الرشد السياسي، يلعب معن في الوقت الضائع.
بعثر أحمد الأسعد
تاريخ العائلة وضيّع ما تبقى من أنصارها

مكانهم السياسي شاغر. إلا أنهم يظهرون اجتماعياً في الطيبة منذ أشهر. أنجزوا تقسيم الأملاك مع أشقائهم. حصتهم كانت عشرات الدونمات في الطيبة، ما استدعى زيارات متكررة لتفقدها. لم تكن المهمة سهلة. يحفر في ذاكرة وائل «التعتيم المتعمد على والده الذي كان رئيس مجلس نواب طوال 17 عاماً». يأسف لأنه لا يرى ذكراً له وسط زحمة الرايات والصور. يحزن لأن التاريخ «لا يذكره إلا ربطاً بانتخاب بشير الجميل واتفاق 17 أيار». ألا تكفي المحطتان؟ لم يعاصر ابن الثانية والعشرين تلك المرحلة. مع ذلك، يجد الشاب لكل ما فعله والده تبريراً. «لم يتنكّر والدي لدوره في انتخاب الجميل بحسب الظروف التي كانت حينها». أما بالنسبة إلى تصويت البرلمان على الاتفاق عندما كان رئيساً له، فيرى وائل أنه «مشروع تفاوض، طرفه الأميركيون ورئيس الجمهورية، وهو من صلاحية السلطة التنفيذية. بينما اقتصر دور المجلس على التصويت له. صوّتت الأغلبية ما عدا نجاح واكيم وزاهر الخطيب، فيما امتنع آخرون عن التصويت». وبالتالي، يتساءل لماذا يحمّل الوالد وحده وزر اتفاق الذل، «في حين لا يزال رموز تلك المرحلة في الحكم وفي عمق القرار السياسي، بينما أقصي والدي وحده؟»، لافتاً الى الاستقبال الحميم للرئيس أمين الجميل في الجنوب أخيراً. «أليس أمين شقيقَ بشير وعرّاب الاتفاق؟».
هل يفكر الإخوة في السياسة؟ حالياً، يعكفون على إنهاء تحصيلهم العلمي. الثلاثة ليس لديهم عمل خاص، بل يعتاشون من بيع الأراضي التي ورثوها كما فعل والدهم. يقر وائل بأن تأسيس كيان مستقل مهمة صعبة لأنهم «أولاد كامل الأسعد». المقولة المنقولة عن جدهم أحمد الأسعد «عم علملكن كامل»، انقلبت على الأحفاد. «نشعر بحساسية التعاطي معنا لأننا أبناؤه. خصوماته أثّرت علينا. ولو كان أحمد أذكى، لكنا استطعنا استثمار الإرث العائلي. لكن الأخ الأكبر أثر علينا بسلوكه وأدائه السياسي». برغم أنهم لا يتواصلون معه، مذ كانوا صغاراً بطلب من والدهم، يلمح وائل إلى طموح سياسي يكتنفه. «نحن مسؤولون عن الحفاظ على نهج الوالد وملتزمون بالسير به. وحين يحين الظرف المناسب سيكون لنا التحرك المناسب. أما اليوم فعدة السياسة هي المال والسلاح والطائفية، ونحن لا نملك منها شيئاً. لكننا سنسعى إلى إحياء إرث الوالد. إنما نحتاج إلى كثير من الجهد والوقت لننزع من أذهان الناس التشويه الذي مارسه التاريخ، ثم أحمد الابن».

في ذمة حزب الله في الطيبة

أنهى وائل الأسعد وشقيقاه تسوية قانونية مع بلدية الطيبة للحرج الذي كانت جدتهم «أم كامل» قد وهبته لأهالي البلدة. رسمياً، صار الحرج الخاص ملكاً للبلدية التي ستستثمره في مشروع عام. البلدية كرّمت الإخوة الثلاثة في مقرها أواخر الشهر الفائت، بحضور ابن البلدة، النائب علي فياض الذي استضافهم في منزله. كان الظهور الرسمي الأول في الطيبة لأولاد «الست لينا»، أم خليل. الترحاب الذي لاقوه من فياض ومن البلدية المحسوبة على الحزب، ذلّل الجفاء العميق بينهم وبين الطيبة. لكنهم لم يعودوا «بكوات» كأجدادهم. لم ينادهم أحد بـ»البيك» أو «الباشا». في حديثه إلى «الأخبار»، كرر فياض ما قاله في اللقاء من أن «مشكلتنا مع بيت الأسعد ليست عشائرية أو شخصية، بل خلاف سياسي. لكن هذا لا يمنع أننا جميعاً أولاد بلدة واحدة ولا ينسينا تاريخ بني وائل وناصيف النصار في المقاومة التي نعتز بها في جبل عامل». «الست لينا»، في اللقاء، لفتت إلى أن زوجها «ربّى أولاده الثلاثة على أن المقاومة ضد إسرائيل خط أحمر وأن سلاحها مقدس ما دام التهديد الإسرائيلي موجوداً». ينوّه فياض بأن اللقاء كان بعيداً عن السياسة، علماً بأن استقبال أولاد الأسعد في الطيبة لقي معارضة ومنشورات هاجمت الحزب والإقطاع معاً. يؤكد فياض أن الاعتراض «كان فردياً لا يمثل قيادة حركة أمل». ولتصويب الأمور، شرح للرئيس نبيه بري ظروف عودتهم إلى الطيبة «حتى لا يساء فهم الخطوة». بري قابله بموقف مبارك للخطوة، معتبراً أنها في موقعها الصحيح. «لو أننا مختلفون في السياسة، لكنهم أولاد الطيبة يحق لهم العودة» نقل فياض عن بري، مذكراً بخطوات مماثلة بادر إليها تجاه كامل الأسعد، منها إيفاده عدنان ضاهر إلى المستشفى حيث يرقد، عارضاً باسمه الدعم وتغطية النفقات. ترحيب بري شجع فياض على متابعة التواصل الشخصي مع أبناء الأسعد في الفترة المقبلة.
وجد وائل أن الجدل الذي رافق حضورهم الى الطيبة مبالغ فيه. لا يريد من الحزب أي مجهود استثنائي «لأن لا علاقة خاصة سياسية لنا به». يتمنى لو يملك الإمكانات المادية ليشيّد منزلاً في أرض أجداده. كما يحلم لو يستعيد دار الطيبة التي استحوذ أخوه أحمد عليها. ذاك الحلم قد يحققه الحزب نفسه. يطرح فياض فكرة استملاك الدولة لدار الطيبة كونها منزلاً تراثياً وجزءاً من الذاكرة الجماعية في جبل عامل. حتى ذلك الحين، يرعى نائب الحزب وبلدية العديسة واتحاد بلديات جبل عامل المحسوبين على الحزب، مشروع ترميم دار ناصيف الأسعد وتحويلها إلى مكتبة ومتحف بعدما كانت الدولة قد استملكتها منذ عقود.