انطوان سعداستوقف الأوساط القريبة من الكنيسة المارونية تحميل بعض المعنيين بحادث بصرما، قبل يومين، المسؤولية للبطريركية عن سقوط قتيلين، وعدد من الجرحى، من تنظيمي القوات اللبنانية وتيار المردة على خلفية تعليق ملصقات حزبية. ورأت أن من أدلوا بهذا الرأي هم الأجدر بالإجابة عنه لعلمهم أولاً أن مستوى التعبئة بين جميع الأحزاب قد بلغ حده الأقصى وتجاوز، على ما تدل عليه الأحداث، حدود الخطر. وأغلب الظن أن حتى قيادات هذه التنظيمات لم تعد قادرة على ضبط قواعدها، بعدما عبّأتها إلى هذا المستوى من الشحن. وثانياً، لأن هذه القيادات تعلم جيداً ما يُعَدُّ له في بكركي، لجهة بلورة ورقة عمل، وشرعة مبادئ عامة للعمل السياسي في لبنان، رغم الأسلوب الذي تعاطت فيه مع البطريركية المارونية، في الأمس القريب.
كان بوُدّ المطارنة الموارنة الأربعة، سمير مظلوم، وبشارة الراعي، وبولس مطر، ويوسف بشارة، العاملين على هذا الخط، عدم الإشارة من بعيد أو قريب، إلى ما يُعَدّ. وما زودت به «الأخبار» مصادر في هذه اللجنة الرباعية، هو لطمأنة الرأي العام، في هذا الظرف الدقيق بالذات، إلى أن ثمة ما يجري الإعداد له، وأن بكركي ليست أبداً في واقع التفرج دون حركة على التدهور الحاصل. وبحسب هذه المصادر: «انطلقت الكنيسة في ما تعمل عليه من نقطة أنه لم يعد من الجائز السكوت عن الواقع المتردي على مستوى عدم التزام مجمل الأطراف السياسية في لبنان بمبادئ العمل السياسي. لقد برزت أمامنا حاجة ملحة لإعادة التثقيف أو التذكير بمبادئ العمل السياسي النبيل ومعنى لبنان ورسالته في ضوء تعليم الكنيسة والقيم الإنسانية والديموقراطية المتعارف عليها».
لجنة الأساقفة الأربعة انبثقت في المجمع السنوي للأساقفة الموارنة الذي انعقد في حزيران الماضي، وكلّف المطارنة المشار إليهم الإعداد، بالتنسيق مع من يرونه مناسباً، لهذه الورقة التي من المقرر أن ينجزوها في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، قبل أن يرفعوها إلى البطريرك الماروني نصر الله صفير، ومجلس المطارنة. ولعل أهم ما يميز هذه المبادرة هو ما يجري التحضير له، بعد إعلانها المرتقب في غضون أسابيع قليلة، من برنامج ندوات ومحاضرات في القرى، والمدن، والمؤسسات الكنسية، ووسائل الإعلام، لتعميمها على أكبر عدد ممكن من الناس.
أما على مستوى إجراء مصالحات بين القيادات المسيحية المتخاصمة، فالمسألة غير مطروحة في المرحلة الأولى، ولا سيما علناً، لأن إعلان مثل هذه الخطوة في المرحلة السابقة هو ما أدى إلى عدم نجاحها. إذ إن القيادات لم تنظر إلى المحاولات السابقة لإجراء مصالحات في ما بينها، في خطوة رامية إلى تحقيق خير الرأي العام المسيحي أو اللبناني، من خلال وحدة الصف لأداء دور الجسر للتقريب بين سياسيي الطوائف الأخرى الذين قد يجرون طوائفهم لنزاعات خطيرة على البلد برمته، بل في إجراء تستطيع من خلاله تسجيل نقطة على الخصم. فبعض هذه القيادات تعاطت مع هذا الملف كبند من ضمن سلسلة بنود رامية إلى إحراج أخصامه أمام الرأي العام، وفي المقابل، كان هذا البعض يود حرمانه فرصة المصالحة لإبقائه في دائرة التشكيك. وعندما تداعت هذه المحاولات، بادر أطراف كانوا يعلنون باستمرار رغبتهم في المصالحات، وفي استظلال رعاية بكركي، إلى التهجم على البطريركية المارونية نفسها التي حرصت دائماً على أن تنأى بنفسها عن النزاعات الداخلية.
وجديد هذه المبادرة المارونية هو أنها تتوجه إلى الرأي العام المسيحي خصوصاً، واللبناني عموماً، أكثر مما تتوجه إلى القيادات السياسية البارزة، والتنظيمات المتنافسة. وهي ترمي إلى أن تضعه أمام مسؤولياته وضميره، لكونه مصدراً لكل السلطات، وتذكره بأنه قادر على التغيير، وعلى فرض إرادته، إذا أحسن استخدام ما توفره له الأنظمة الديموقراطية، من حقوق وما تضعه عليه من واجبات. ومن المتوقع أن تحظى «شرعة العمل السياسي في ضوء تعاليم الكنيسة وخصوصية لبنان»، بقبول واسع وتقدير كبير لما سوف تتضمنه من مبادئ مهمة. أما تأثيرها على مجرى الأحداث فمرتبط حكماً بالإرادة الشعبية.