لماذا تصرّون على إنكار الإبادة؟■ أولاً، عام 2015 هو عام التفكير وإحياء ذكرى كل شهداء الحرب العالمية الأولى. وهو عام المصالحة والاتحاد لا زيادة الكراهيات، وينبغي علينا احترام ذكرى كل شهداء الحرب. في تركيا نشارك الشعب الأرمني وكل الشعوب الأخرى مرارتها وأساها، ولكن يجب أن لا ننسى أن هناك ملايين الشهداء المسلمين الذين فقدوا منازلهم وهجروا ولقوا حتفهم في هذه المأساة، وليس الأرمن وحدهم. بيانات رئيس تركيا رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء داوود أوغلو المعزية للأرمن تؤكد تعاطفنا معهم. ولكن لكل دولة صيغة مختلفة عن هذه الحرب، ولا يمكن لأي دولة فرض صيغتها بالضغط السياسي وإشاعتها عالمياً لإلقاء اللوم على الدولة التركية.

هل لديكم رواية رسمية مغايرة عن الإبادة؟
■ ليست لدينا رواية رسمية عما حصل في ذلك الوقت، ولكن لدينا التاريخ التركي. حينها، حاربت دول عدة الامبراطورية العثمانية وسعت الى تقسيمها، بمن فيهم البريطانيون والفرنسيون. حاول الاتحاد السوفياتي غزو الامبراطورية من الشرق ما اضطرها الى اتخاذ إجراءات لمنع تقدمه وحماية نفسها. آنذاك شكل بعض الأرمن تنظيمات مسلحة لمساندة الغزاة وبدأوا بمهاجمة الأتراك وقتل المسلمين، فرحّلت السلطنة بعضهم الى سوريا. كثيرون خسروا حياتهم ولكن ليس بقتل ممنهج ومجازر كما يدّعون. هناك معايير دولية يفترض الأخذ بها قبل اتهام بلد بإبادة شعب، ونحن لم نقم بإبادة الأرمن اطلاقاً. هذا التعبير مصطلح قضائي ولا يمكن اتهام تركيا بهذه الجريمة.
لماذا يتهمونكم بالمسؤولية إذاً؟
■ لا أعرف، ينبغي سؤال الأرمن عن ذلك. ما نقوله لهم هو أنه يجب الاستمرار في النقاش والتفاهم والابتعاد عن توسيع رقعة الكراهية والحقد. ونُذكّر أنه عام 2005 بعث رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان برسالة الى رئيس أرمينيا من أجل التلاقي ومناقشة هذه المرحلة المأساوية من التاريخ، لكنه رفض. وفي عام 2009 أعددنا لبروتوكولين اثنين مع أرمينيا الا أن بعض الأرمن المتطرفين قاموا برد فعل سريع أدى الى رفض الحكومة الأرمينية لهما.

ألم تستول تركيا على سبع ولايات أرمنية وتهجّر أهلها؟
■ ليست هذه الوقائع حقيقية بالكامل. صحيح أن تلك الولايات كانت مأهولة من الأرمن، ولكن كان يقطنها أيضاً مسلمون وترك، وخضعت لسلطة الامبراطورية التركية منذ القرن السادس. بعد انقضاء الحرب العالمية الأولى وإنجاز الاتفاقات مثل لوزان وغيرها أعطيت هذه الأراضي الى تركيا. هل تتخيلين ماذا سيحصل اذا بدأت كل دولة بالادعاء بأن لها أراضي داخل دول أخرى؟ لا نوافق على هذه الادعاءات. وتركيا هناك منذ 1923 وستستمر على هذه الحال.

ألا تعمدون الى استفزاز الأرمن والسريان بالاحتفال بذكرى حرب «غاليبولي» في اليوم نفسه؟
■ في الواقع تبدأ الاحتفالات في 23 نيسان وتستمر يومين، وهو ما نسميه يوم «الأنزاك» ونحتفل به منذ عشرات الأعوام. يجتمع خلال هذه المناسبة مئات الآلاف القادمون من أنحاء العالم، وهذا ليس موجهاً ضد الأرمن ولا يمنعهم من الاحتفال بذكرى شهدائهم.

هل تشكّل اعترافات البرلمانات الأوروبية بالإبادة ضغطاً على تركيا؟
■ لا يمكن للبرلمانات أن ترسم التاريخ، وهذه مهمة المؤرخين حصراً. فتلك البرلمانات التي لا تعرف مكان تركيا على الخريطة، لا يمكنها التحدث عن التاريخ القديم. هي تتعرّض لضغط من اللوبي الأرمني الموجود في دولها، لذلك تعكس مشاعر الأرمن الذين يحاولون تغيير الأحداث التاريخية لمصلحتهم.

وماذا عن السريان؟
■ الأمر نفسه ينطبق على السريان الذين يضخّمون الأرقام وأعداد الشهداء للضغط على تركيا. يعيش اليوم في اسطنبول أكثر من 20 ألف سرياني في أمان ونخوض معهم نقاشات جدية ونتفاهم معهم بعمق، وهذا التفاهم يتطور إيجابياً في كل دول العالم بما فيها لبنان. ودعونا أخيراً بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للسريان الارثوذكس مار اغناطيوس افرام الثاني لزيارة تركيا ونأمل أن يلبي الدعوة في الأشهر المقبلة.

لكن في تركيا نفسها عدداً كبيراً من اليساريين ممن يتبنون وجهة نظر الأرمن والسريان؟
■ هناك يساريون وغير يساريين يفكرون بشكل مختلف عن الدولة، ما يؤكد أننا نتمتع بديمقراطية، فضلاً عن أن تركيا تخوض نقاشات حادة حول الموضوع وعلى الملأ، بعكس الأرمن. يمكن الوقوع في اسطنبول على كتب تتبنى آراء الأرمن، لكن يستحيل حصول الأمر نفسه في الدول التي يسكنها الأرمن حيث تمنع وجهة نظرنا. يتركز همّنا كأتراك اليوم على التفكير بالمصالحة ووحدة الأجيال المستقبلية، فيما هم يورّثون الشباب الأرمني كل معتقداتهم التاريخية والحقد علينا. وأبرز مثال عن ذلك ما حدث الشهر الماضي عند منعهم عرض فيلم تركي بريء لا علاقة له بالسياسة والتاريخ في الصالات اللبنانية.

اللبنانيون الأرمن يخلدون اليوم الذكرى المئة لشهدائهم. هل يزعجكم ذلك؟
■ تخليد الذكرى أمر نتفهمه ونشعر معهم بمعاناتهم. حتى في تركيا، يكرر رئيسنا ورئيس وزرائنا تفهمهما ومشاركتهما أوجاع الأرمن. لكننا لا نقبل اتهام تركيا بالإبادة جزافاً وتشويه التاريخ، نريد ذكرى عادلة تحترم كل الشهداء وتأخذ في الاعتبار كل صيغ الحرب لا واحدة. أخيراً، السفارة التركية والأتراك أصدقاء للأرمن ويجب أن يأخذوا في الاعتبار أن صداقتنا غير مؤقتة.