ساهم الاشمئزاز من الأحوال العامة المزرية سياسياً وخدماتياً، معطوفاً على الاستياء من مكوّنات لائحة الرئيس سعد الحريري (لائحة البيارتة)، في إبطاء الهمم في الطريق الجديدة أمس. وإذا أضفنا إلى ما تقدّم، أن الاهتمام بالانتخابات البلدية لم يكن يوماً هاجساً بيروتياً، يمكننا أن نفهم الفتور الذي طغى على الساعات الاثتني عشرة الانتخابية.
سلطة "ابن الشهيد" لا تزال الأقوى في الطريق الجديدة، ولا يمكن أن تزعزع بسهولة
أمس كان مناسبة لمعاينة مدى الالتزام بلائحة "زي ما هيي" في منطقة الطريق الجديدة، خلصت إلى أن لائحة السلطة غير المتجانسة، والعصية على المنطق المنهجي، والضامة ألدّ الأعداء بين ضفتيها، جعلت الأصوات تذهب "شذر مذر". ففي مقابل المقاطعة الملاحظة وخصوصاً من قبل المنفيين من بيروت إلى ساحل خلدة وتلالها نتيجة السياسات الحريرية، والورقة البيضاء التي اعتمدها البعض الآخر تعبيراً عن قرفه من الوضع السائد، خرجت أصوات تجاهر بأنها تشكل الأكثرية العددية في المدينة، وبالتالي إن تمثيلها بثمانية أعضاء على لائحة السلطة مجحف، ما حدا بالبعض إلى تأليف لوائح من 24 عضواً لأسماء مرشحين سنّة حصراً من لوائح السلطة (البيارتة) و"بيروت مدينتي" و"البيروتي" و"بيروت"، علماً بأن الأخيرة لا تعترف بالمناصفة في تركيبتها (15 سنياً و9 للطوائف الأخرى)، كما هي حال اللائحتين المكتملتين (البيارتة وبيروت مدينتي). وكان من الملاحظ أن بعض الناخبين من المهندسين، حتى من "المستقبل"، تخلوا عن المرشح إيلي أندريا، وهو حصّة المطران الياس عودة على لائحة السلطة، نظراً إلى تجاربهم المريرة وإياه، حيث كان يشغل، قبل تقاعده منذ بضعة أشهر، منصب مدير مصلحة الهندسة في بلدية بيروت.
بدورهم، لغم "الأحباش" لوائح "البيارتة" مستبدلين اسم مرشحهم المنفرد محمد مشاقة بمرشح "الجماعة الإسلامية" مغير سنجابة، مع شطب المرشح الكردي في تيار المستقبل (عدنان عميرات) والقواتي (إيلي يحشوشي).
وبخلاف القرقعة "الفايسبوكية"، كان من الواضح أن "بيروت مدينتي"، المرتدية لبوس المجتمع المدني، لم تلق صدى في المنطقة الشعبية الموالية للحريري. والأخير، لم يقرّع من قبل "اللائحة الوردية" لسياساته الفاشلة في بلدية بيروت، مادة الاستحقاق أمس، في خطوة مريبة. لكن، لا يمكن إغفال أن حضور هؤلاء لوّن مشهد الأمس.
إشارة إلى غياب ممثلين عن "مواطنون ومواطنات في دولة" في الطريق الجديدة، برعاية الوزير السابق العنيد شربل نحاس، الذي كان الوحيد مع فريقه المواجه للسلطة عن حقّ، بمشروع واضح.
من جهة ثانية، نشط الحديث عن المال الانتخابي في الساعات الأخيرة قبيل إغلاق صناديق الاقتراع، وكانت التسعيرة توازي 150 دولاراً أميركياً، بهدف رفع نسبة التصويت في بيروت.
خلاصة أحد الانتخابات الرتيب في الطريق الجديدة، أنّه من نافل القول أن سلطة "ابن الشهيد" لا تزال الأقوى في الطريق الجديدة، ولا يمكن أن تزعزع بسهولة في منظومة طائفية زبائنية، وأن التذمر من أداء الحريري لن يتحوّل عاجلاً إلى نقمة، إذ لدى الأهالي مسلّمة مفادها يمكن تلخيصها بالآتي: "على الرغم من استيائنا العارم من أداء الحريري الابن، فإننا لن نكسر صورته، لضمان عدم خسارة التوازنات في اللوحة الطائفية اللبنانية". بالمقابل، يستدرك الحريري أزمته، بفتح جناحيه أخيراً ليضمّ تحتهما شخصيات أخرى من الطائفة السنية، كمثل فواد مخزومي الممثل في "لائحة البيارتة".