لم تستفق ساحة ساسين في الأشرفية يوم أمس، لا قبل الظهر ولا بعده. حضرت الأعلام الحزبية واللافتات من دون حامليها. كان الوضع أشبه بمنع تجوّل تام في كل الأشرفية. شارع السيدة الذي يضم مكتبين حزببين، واحد للمرشح عن المقعد الأرثوذكسي في التيار الوطني الحر زياد عبس وآخر لوزير السياحة ميشال فرعون، شبه خال إلا من بعض المندوبين؛ المعركة في مكان آخر. لكن الأشرفية شيء، وحيّ كرم الزيتون شيء مختلف تماماً. هنا خيبة الأمل والغدر بطعم اللحم المشوي. تقودك الرائحة الى أمام مكتب المختار وليد البيطار، حيث يتجمهر عدد من أهالي الحيّ حول منقل المشاوي ويدقّون كؤوس العرق شاربين نخب "الفقراء": “سرقوا المخترة من ولاد الأشرفية". لا يبدو البيطار وأهالي الكرم مرتاحين لطريقة تعامل الأحزاب معهم، ولا سيما فرعون والنائب نديم الجميل. أصلاً من غير الجائز أمامهم الحديث عن نديم على أنه وريث بشير. غالبية هؤلاء من الذين قاتلوا في صفوف الكتائب الأمامية، قبل أن يساندوا نديم الجميل سياسياً، ليبتعدوا عنه بسرعة لا لشيء سوى أنه "ليس مثل أبيه".
جبور لفرعون: "دبّاركن بالانتخابات النيابية وسأترشّح ضدّك وسأفوز بالتزكية!".
كان من المفترض، حسب المفاوضات التي سبقت يوم الخميس الماضي، أن يتمثل "أهالي الأشرفية" غير الحزبيين كما دائماً في لائحة المخاتير. ولكن "سرقوها وضهّرونا برّا"، يقول البيطار قبل أن يضيف: "بس فشروا يقصونا، الختم ما بيعمل مختار. لذلك ارتأينا نحن أولاد الأحياء الفقيرة في الأشرفية أن نقاطع. كان بإمكاننا طحنهم لو واجهونا مواجهة رجال ولم يخدعونا في الدقائق الأخيرة". يريد المختار والأهالي عبر المقاطعة إظهار تأثيرهم على نسبة الاقتراع: "دافعين بالمنطقة دم وشهدا، بالحرب منعرف نواجه وبالسياسة كمان. ما يحزننا أن من كان يتجول في فرنسا كفرعون ونديم الجميل يسمحون لأنفسهم اليوم بتصنيف العائلات". المحاسبة آتية ولو بعد حين، بحسب ناخبي كرم الزيتون، فالانتخابات النيابية "على الكوع ونحن كأحياء شعبية أكثر من نتقن فن المحاسبة، ولولانا لما كانوا يتنعمون بالمقعد النيابي”. المشاوي ليست حكراً على المختار وحده، فأمس كلمة سر مقاطعة الانتخابات الاختيارية كانت "اللحم المشوي". وهكذا انتشرت رائحة الشواء في كل زوايا الكرم، وكان بالإمكان رصد موائد الفقراء تشتعل نكاية بالأحزاب السياسية.كرم الزيتون لا يعني العائلات وحدها. العائلات هنا جزء لا يتجزأ من الكتائبي السابق ميشال جبور، قائد ثكنة الأشرفية (سابقاً)، والمسؤول عن الجبهات خلال حرب المئة يوم. النفوذ في المنطقة له، وهو يحظى بدعم شامل من رئيس مجلس إدارة سوسيتيه جنرال أنطون صحناوي. للأخير خمسة مكاتب خدماتية أساسية في الأشرفية: "مكاتبنا ليست كمكاتبهم لا نغلقها سبع سنوات ونفتحها قبيل يومين من الانتخابات. لو فتح فرعون مكتبه لكان بإمكانه ربما المونة على أصوات الأشرفية، لكن الأهالي استفاقوا. والدليل الفرق في نسب الاقتراع بين البلدية والاختيارية". فبحسب جبور، "أوعزنا لجماعتنا الاقتراع بكثرة للائحة البيارتة ومقاطعة لائحة المخاتير لنقول لهم ولفرعون خاصة: "دبّاركن بالانتخابات النيابية". ويجدر بوزير السياحة "التفكير مئة مرة منذ اليوم"، فجبور بالمرصاد: "سأترشح الى الانتخابات النيابية ضده وأنا ولائحتي سنفوز بالتزكية. فليسجل عنده، اليوم سقط سقوطاً ذريعاً وهزيمته كبيرة جداً".
على المقلب الآخر، لفرعون رأي مختلف تماماً عن حليف الأمس، فنتائج الاقتراع انخفضت بنسبة 1% وهو أمر طبيعي على اعتبار أن التوافق ألغى المعركة، وبالتالي كان الأمر أشبه بالتزكية. يعترف فرعون بأنه تمت التضحية بعدد من المخاتير في اللحظات الأخيرة، إلا أنه لا يتحمل مسؤوليتها: "شكلنا اللوائح بداية على أساس أن لا توافق مع التيار الوطني الحر، ولكن ضغط القيادات قبيل يومين من الاستحقاق لإرساء توافق تم على حساب هؤلاء. والحقيقة أن عدد المخاتير لم يكن كافياً لاستيعاب الجميع، وكنا نتمنى لو تمثل الجميع في اللائحة بمن فيهم الياس الحايك وسميرة الطبال". كلام فرعون "الاعتذاري" لا "يُقَرَّش" في كرم الزيتون. ما الرأي هنا إلا رأي رائحة المشاوي.