ثمّة آلة، سنفترض وجودها، لكشف النفاق السياسي في لبنان. عُرِض شربل نحّاس عليها، أول مِن أمس، وقد جاءت النتيجة: "مواطن صادق". ما الذي تلحظه هذه الآلة تحديداً؟ الجواب مرتبط بالعبارتين الآتيتين: "نثق بالقضاء" أو "لا نثق بالقضاء". حسناً، لا ثقة هنا. ذهب نحّاس أبعد من ذلك، إذ قال: "وهل يوجد قضاء في لبنان، أصلاً". أجاب بذلك ردّاً على سؤال، من أحد الإعلاميين، عمّا إذا كان سيتقدّم بطعون إلى القضاء، بما خصّ انتخابات بلديّة بيروت. طبعاً، لم يفته أن يشير إلى وجود "بعض القضاة الصالحين". أما القضاء، كسلطة، فـ"ليس موجوداً". "نحّاس، وباسم حركة "مواطنون ومواطنات في دولة" أعلن، أول مِن أمس، أسماء المرشحين الثلاثة للانتخابات البلديّة في محافظة جبل لبنان، وهم: كلود مرجي في جبيل، جلال خوري في جونيه وجوزفين زغيب في كفرذبيان. موعدهم مع الاستحقاق يوم الأحد المقبل. هكذا، تتابع عجلة حافلة هذه الحركة، الوليدة، سيرها في المناطق. لقد حصد نحّاس، يوم الأحد الفائت، نحو 7 آلاف صوت من أبناء بيروت. هذا يعني أنّه يمثّل أكثر من 7 في المئة من أهل العاصمة فقط. هذا يعني، بحسَبه، أنّ حركته "تمثّل ما يوازي حجم تمثيل بعض كبريات الكتل السياسية الجالسة حول ما يسمى طاولة الحوار". لقد فعلها وحده. وسائل الإعلام، أكثرها، تجاهلته. الأسباب معروفة. بالمناسبة، هل يعلم أحد أنه بعد مرور 6 أيام على الانتخابات في العاصمة، لم تعلِن السلطات المختصة النتائج الشاملة لهذه الانتخابات؟ لم يحصل هذا رسميّا بعد! لم تُعلن، بحسب الموقع الرسمي لوزارة الداخلية، سوى أسماء الفائزين، أما الخاسرون وكم حصدوا من أصوات، فلا شيء عنهم! هذا لا يحصل، والله أعلم، إلا في لبنان. يقول نحّاس، معلّقاً: "دولة فاشلة حتى في العد والجمع. تجيد فقط القسمة وأحياناً الضرب. وهي لا تقدّم أي طرح جدّي لمعالجة هموم الناس وتلبية طموحاتهم. النتائج لم تصدر حتى الآن. الفرز كان فوضوياً، والمحاضر مليئة بالأخطاء. هيئة الإشراف غير موجودة، الخ".
قبيل انطلاقه إلى مناطق المرشحين في جبل لبنان، صباح أول مِن أمس، جلس نحّاس في مكتب الحملة – وسط بيروت، وإلى يساره المرشحة كلود مرجي وإلى يمينه المرشح جلال خوري. تحدّث الجميع. مرجي خائفة على جبيل، على قلب المدينة، من أن يكون مصيرها كمصير قلب بيروت، يعني "أخشى من سوليدير ثانية في جبيل، وهذا يحصل الآن، على البطيء".
ركب الجميع الحافلة، الذي استأجرها نحّاس قبل مدة، ووضع عليها شعارات الحركة، وانطلقوا نحو جونية. هناك عاينوا التعدّي على الأملاك البحريّة. المرشح خوري ابن المنطقة، والعارف بما يحصل، كان الدليل إلى ذلك. بعد ذلك توجّهوا إلى جبل حاريصا، فدار حديث عن أزمة التنظيم المدني. في جونية كان لا بد من زيارة بيت رئيس الجمهورية الأسبق، فؤاد شهاب، المقرون اسمه بـ"بناء الدولة". إلى جبيل در. في هذه المحطة كانت المرشحة مرجي هي الدليل، فتحدّثت عن الأسواق والطريق الروماني، رابطة المسألة بتضخم "الشركات الخاصة والمولات على حساب المدينة وتراثها". ثم انتقلوا إلى مرفأ جبيل، والحديث عن إشكاليات إعادة البناء بعد الحرب الأهلية. تدور عجلة الحافلة نحو كفرذبيان، إلى القلعة الأثرية، ليكون النقاش حول التلوّث البيئي. وأخيراً إلى سد فقرا، ثم كلام حول "دور المرأة" في الانتخابات والمجتمع... وكلّ شيء.
هكذا، يُقدّم نحّاس كرجل شامل. بالأحرى هو يريد لحركة "مواطنون ومواطنات في دولة" أن تكون شاملة. فمما قاله أثناء الجولة: "كلّ نأي بالنفس ضحك على الذات، قبل أن يكون ضحكاً على الناس، بحجّة المحليّات والخصوصيّات والحيثيّات. الانتخابات البلديّة انتخابات أولاً، وبلديّة ثانياً. فكيف في مجتمع مُفتت ودولة ساقطة". لم يقطع الوزير السابق مع أحد، كما اتهمه البعض، خاصة في انتخابات بيروت، فتوجّه إلى اللوائح الأخرى (بيروت مدينتي تحديداً) من خارج السلطة، قائلاً: "هنا خضنا الانتخابات مقابل قطب واحد، وهناك في وسط معركة كسر عضم، هناك بين صخب وجهاء العائلات، هنالك بالتوازي مع لائحة معارضة لم نتمكّن من توحيد الجهود معها، رغم سعينا المستمر، لأنها أرادت أن تظهر بصورة اللائحة المكتملة وألا تنخرط في السياسة. وما زالت الأيادي ممدودة للحوار مع الجميع".
بدا نحّاس مرتاحاً، أكثر من المرّات السابقة. ها هو يُراكم، فعلاً، كما تمنى... وسعى. يبدو منسجماً مع نفسه، تماماً، إذ لا يرى في انتخابات بلديّة العاصمة، التي أصبحت أرقامها خلف ظهره، سوى محطة، لم يتبخّر هو بعدها. ها هو ينطلق إلى جبل لبنان، بعدما مرّ على البقاع، وليكمل إلى سائر المحافظات. يُريد أن يؤكد أن مشروعه يحمل عمقاً وطنيّاً، في الجغرافيا والمعنى، ولو بناه حجرة حجرة، ففي النهاية "ليس لدينا ما نخسره".