تنوّعت تغطية الإعلام الأجنبي لاغتيال القائد العسكري في حزب الله مصطفى بدر الدين، بين البرودة من دون تسجيل موقف، والهجوم المباشر، وتصفية الحسابات السياسية، والغوص في مستنقع المذهبية. لكن الغالبية أجمعت على أهمية الشخص والحدث.بدت لافتة إشارة «غارديان» البريطانية إلى إسرائيل بوضوح. مقالها الطويل الذي حمل توقيع مارتين شولوف وكريم شاهين، حمل عنواناً يؤكد أنّ بدر الدين كان «هدفاً إسرائيلياً رئيسياً». وتطرّقت إلى تقارير إعلامية لبنانية وإسرائيلية رجّحت «سريعاً» أنّ الانفجار الذي أدّى إلى استشهاده «ناجم عن غارة إسرائيلية، وهو احتمال يعطيه حزب الله وزناً ثقيلاً...». أسهب المقال في التعريف بالشهيد، مذكّراً بالحكم عليه بالإعدام في الكويت في عام 1983 على خلفية اتهامه بـ«تفجير السفارتين الأميركية والفرنسية»، وبمشاركته في غالبية عمليات المقاومة ضد إسرائيل، وصولاً إلى «تحميله مسؤولية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005، كما أنّه القائد الميداني الأبرز للحزب في سوريا، منذ اغتيال عماد مغنية في دمشق عام 2008».
المعلومات نفسها وردت في سياق تناول «هيئة الإذاعة البريطانية» للموضوع، لافتةً إلى عقوبات دولية فُرضت على بدر الدين «بعد اتهامه من جانب المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بارتكاب جرائم حرب وبالضلوع في مقتل الحريري عام 2005». «بي. بي. سي.» وصفت الراحل بأنّه «أرفع مسؤول عسكري لحزب الله»، ورجّحت أن يكون قد استشهد في «معركة في خان طومان (شمال حلب)، وليس في دمشق»، وفق ما ذكرت حسابات عدّة على تويتر تابعة لـ«جبهة النصرة». ولفتت الى أنّه بحسب تقرير صادر عن «استخبارات الأمن الكندي» (CSIS) «بعد التحقيق مع أحد أعضاء حزب الله»، أكد المحقق معه أنّ بدر الدين «أكثر خطورة من مغنية الذي كان أستاذاً في الإرهاب».
«أكد حزب الله مقتل قائده العسكري الكبير في دمشق». هكذا أعلنت «إندبندنت» البريطانية النبأ، واصفةً استشهاد «ذو الفقار» بأنه «أكبر ضربة للتنظيم المسلّح (حزب الله) منذ اغتيال عماد مغنية». أما «نيويورك تايمز» الأميركية فاكتفت بنشر تقرير «أسوشييتد برس» مع عنوان: «مقتل قائد عسكري كبير لحزب الله في سوريا».
خيال «جيمسبوندي»
وسموم مذهبية وبرودة «موضوعية»

وتحت عنوان «من قائمة الإرهاب الدولي إلى اغتيال الحريري وتفجيرات الكويت... من هو مصطفى بدر الدين قيادي حزب الله المقتول في سوريا؟»، نشرت «سي. أن. أن.» نبذة عن القائد الشهيد ومعلومات عن تاريخ ومكان ولادته وإسمي والديه، وعن «ضلوعه في تفجيرات الكويت عام 1983»، قبل أن «يتمكن في 1990 من الهرب بعد الغزو العراقي للكويت»، الى جانب اتهامه بـ«الوقوف إلى جانب ثلاثة آخرين وراء عملية اغتيال رفيق الحريري»، وإدراج اسمه على قائمة الإرهاب الدولية من قبل وزارة العدل الأميركية في أيلول 2012.
مقال «واشنطن بوست» عن الحدث جاء موقّعاً من هيو نايلور وسوزان هيدموس، ووصف الحدث بأنه «ضربة كبيرة للحزب القوي المدعوم من إيران» والذي «يحارب عدوّته إسرائيل، تزامناً مع تدخّله الباهظ الثمن في سوريا لتعزيز مكانة قوّات بشّار الأسد ضد الثوّار». وكغيرها، عرّجت «واشنطن بوست» على اغتيال الحريري وعمليات الكويت والحرب في سوريا، مع بعد طائفي واضح، إذ «وفقاً للحكومة الأميركية، فإنّ بدر الدين قاد عمليات حزب الله العسكرية في سوريا التي ينخرط فيها آلاف المسلحين الشيعة ضد القوات السنية المعارضة للأسد». وتابعت: «المقاتلون المدرّبون جيّداً لعبوا دوراً مصيرياً في الدفاع عن القائد السوري (بشار الأسد) الذي يعتمد على آلاف المقاتلين الشيعة من إيران والعراق وأفغانستان. المحللون يقولون إنّ بدر الدين أدار معارك أساسية في 2013، ساعدت في قلب نتائج الحرب الأهلية لصالح الأسد».
ولعلّ أكثر تغطيتين اختلافاً كانتا في «ديلي بيست» الأميركية و«تلغراف» البريطانية. في الأولى، بدا بدر الدين «مصاباً بهوس إشعال الحرائق (Pyromaniac)، وبلاي بوي، جرّ حزب الله إلى الحرب في سوريا». وفي الثانية، أطلق الصحافي ريتشارد سبنسر العنان لخياله الـ«جيمسبوندي»، فوقعنا على معلومات من «تقارير إعلامية» تفيد بأنّ «ذو الفقار» لم يمتلك «جواز سفر، أو شهادة قيادة، أو عقارات في لبنان، إلا أنّه في الوقت نفسه كانت له سلسلة من العشيقات، وتمكن من أن يجوب الساحل المسيحي في جونية (شمال بيروت) بسيّارة مرسيدس ضخمة»! وذهبت سبنسر إلى أن بدر الدين ليس مجرّد «هدف إسرائيلي» لأنّ أعداءه الآن «قد يكونون الثوّار السوريون ودول الخليج أيضاً»، ولكن «بغض النظر عن هوية المسؤول عمّا حدث، الأكيد أنّه وضع حداً لحياة رجل شبح في قيادة حزب الله».
فرنسياً، راوح أداء الميديا بين السرد «الموضوعي» للحدث مع إعطاء خلفية له، والتسييس. حضرت مصطلحات «المحكمة الدولية» و«عقوبات الخزانة الأميركية» و«العقل المدبر لاغتيال الحريري» بقوّة كما في باقي وسائل الإعلام الغربية والعربية. لكن لم يغب عن صحيفة La Dépêche الإشارة إلى أنّ حزب الله مستهدف بالدرجة الأولى من العدو الإسرائيلي، وأنه مصنّف كـ«منظمة إرهابية» أميركياً. أما صحيفة «لو موند»، فاكتفت بإبراز بعض ما ورد في بيانات الحزب وما ورد عبر قناتي «الميادين» و«المنار»، بينما ذهبت «لو فيغارو» إلى القول إنّ بدر الدين «لوحق وأدين مرّات عدّة ونجح في الفرار من العدالة في بعض الدول العربية والغربية».