في 2010، خاضت مناطق بعبدا والحازمية والحدت انتخاباتها البلدية على وقع معركة كسر عظم بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية. أمس، اقترع ناخبو هذه المناطق تحت خيمة «تماسك» الثنائي المسيحي الذي كان من المفترض أن ينسحب تحالفاً بلدياً في كل الساحات.البداية من الحدت التي تستقطب الأنظار على عتبة كل استحقاق، إذ إن للبلدة رمزية خاصة لدى الأحزاب المسيحية، كونها أهم معاقل التيار الوطني الحرّ. مع ساعات الصباح الباكر، خلت شوارع الحدت الضيقة من الحركة وحافظت على هدوئها المعتاد. الناس كلّهم صبّوا في تجمعات أمام مراكز الاقتراع، الأقوى بينها مركز اليسوعية الذي شهد اكتظاظاً نتيجة تهافت الناخبين (نحو 13500 ناخب مسجّلين على لوائح الشطب). تحت الخيم المنصوبة على مفترق الطرقات ينهمك المندوبون التابعون للائحة التي يدعمها التيار الوطني الحر (تضامن شباب الحدت) بتأمين حاجات الناخبين.. اللوائح والمياه الباردة والكراسي والقبعات الواقية من الشمس وتنظيم السير إذا ما لزم الأمر. يقف هؤلاء في مقابل مندوبي اللائحة المنافسة (وحدة الحدت) الذين يقومون بدورهم أيضاً في مشهد «ديمقراطي»، على ما يؤكد الناشطون من الطرفين: «كل واحد عم يعمل شغلو هون». لا استفزازات ولا استعراضات علنية، باستثناء بعض الغمز تعليقاً على الجولات الميدانية للنائبين العونيين آلان عون وحكمت ديب. البرودة التي تعاطى بها المتنافسون على «حلبة» الحدت، بعضهم مع بعض، تُناقض حماوة المعركة التي بدا فيها التيار الوطني الحر مرتاحاً، لا بل منتشياً حتى قبل إعلان انتصار اللائحة التي ترأسها جورج عون بفارق مريح. فقد استند الناشطون العونيون أولاً إلى نتائج استطلاعات الرأي التي «تظهر تقدم لائحة عون على لائحة الرئيس السابق للبلدية انطوان كرم المدعومة من القوات والكتائب»، وثانياً على «السيرة البلدية الإنمائية المشرّفة لعون في مقابل التعاطي الإقطاعي لكرم الذي يتصرف وكأنه في معركة استعادة البلدية لعائلته».
أغلقت صناديق الاقتراع في الحدت بنسبة اقتراع تجاوزت 50 في المئة

حجم المشاركة الشعبية في المهرجان الانتخابي في الحدت كان لافتاً، كذلك الحشد الواسع وراء اللائحة العونية التي كادت تفوز بالتزكية لولا إصرار رئيس قسم القوات في البلدة فادي خليفة على الترشح على لائحة كرم، لأن لائحة عون ضمّت قواتياً واحداً، والمضي في المعركة الانتخابية حتى النهاية، رغم أن المسوحات الميدانية حسمت مسبقاً عدم تكافؤ المعركة. وفيما كانت لائحة عون تنتظر إقفال صناديق الاقتراع للإعلان عن فوزها الكاسح، فوجئ المندوبون بأخبار تتحدث عن «نشوب إشكال»، نفاه عضو اللائحة جورج حدّاد الذي أكد أن «العملية الانتخابية سارت بشكل سليم، ولم تشهد أي مشاكل باستثناء الاكتظاظ الذي وصل إلى الذروة عند الثانية عشرة ظهراً، وتراجع في ما بعد». وإلى جانب هذه المشكلة برزت أخرى تمثّلت في «عدم الخبرة الكافية لدى رؤساء الأقلام الذين ظهروا وكأنهم غير مدربين أو مؤهلين كفاية لإدارة العملية». أغلقت صناديق الاقتراع في منطقة الحدت بنسبة تجاوزت 50 في المئة، وهي «نسبة مرتفعة»، على ما يقول حدّاد الذي رأى أن «للحدت خصوصية يجب مراعاتها. صحيح أن المصالحة مع القوات حصلت في رأس الهرم، لكن في القاعدة لا يزال هناك ما يجب معالجته، ولا يجوز أن يتعاطى البعض وكأن هناك ثأراً انتخابياً». وأكد حدّاد أن «معركة الحدت إنمائية وسياسية، على عكس ما حاولت اللائحة الثانية تصويره بأنها معركة عائلات، لأن 70 في المئة من أصوات العائلات صبّت لصالحنا».
في المقابل، لفت مسؤول الكتائب في بعبدا رمزي أبو خالد إلى أن المعركة أمس كانت «قاسية وأخذت طابعاً حزبياً كبيراً». وأشار إلى أنه «لا يُمكن الركون إلى استطلاعات الرأي التي تتحدث عنها اللائحة المنافسة، نتيجة تغيّر المعطيات، كما أن النتائج لا تحسمها سوى صناديق الاقتراع التي يمكن أن يحصل فيها الكثير من المفاجآت». وعن العنصر العائلي نفى كل الأقاويل التي تتحدث عن دعم العائلات للائحة عون، بل على العكس، مشيراً إلى بعض الأصداء التي تحدثت عن «المال الانتخابي الذي استخدم لشراء الأصوات».
شأنها شأن الحدت، بدت الحازمية على قدر من التنافس الحامي بين «لائحة الكرامة» التي يرأسها جورج باسيل مدعوماً من التيار الوطني الحرّ، في مواجهة لائحة الرئيس الحالي جان الأسمر الذّي يرأس البلدية منذ 12 عاماً. هناك، أعلنت القوات حيادها. قاطعت الانتخابات ترشيحاً وتركت حرية الاقتراع لناخبيها الذين أظهروا دعماً واضحاً للأسمر. وفيما كانت أرض الحدت هادئة نسبياً، كادت الطرقات في الحازمية تشتعل نتيجة المخالفات الكثيرة التي سجلتها الشرطة البلدية، ودفعت بالمرشحين على لائحة باسيل الى رفع الصوت بأنهم يخوضون معركة «ضد مافيا». ففي بعض مراكز الاقتراع ظهر عدد من عناصر شرطة البلدية مسلّحين، ما استدعى تدخل الجيش. وتشرح أوساط متابعة للمعركة الانتخابية في المنطقة كيف «تعرض عدد من الناخبين إلى الضغط والتهديد والشتائم من قبل الماكينة الانتخابية التابعة للأسمر». وأكدت الأوساط أن هذا الأمر «أثّر على نسبة التصويت في مراكز الاقتراع». علماً أن النتائج الأولية مساء أظهرت فوز لائحة الأسمر. الأمر اللافت في الحازمية أيضاً أن عدداً من العاملين في البلدية الحالية وضعوا يافطات على الطرقات تحمل اسمهم إلى جانب اسم الأسمر. كذلك جرى استخدام موارد البلدية وسياراتها ضمن حملة التسويق للرجل، وهو تصرف غير قانوني بحسب المرشّح على لائحة باسيل، زياد عقل، الذي أشار إلى «تعاطف رؤساء الأقلام مع لائحة الأسمر بعدما حصل الكثير منهم على مال انتخابي»!




اللي بتعرفو أحسن من يلي ما بتتعرّف عليه!


بدت مناطق فرن الشباك ـــ عين الرمانة ـــ تحويطة النهر (بلدية واحدة للثلاثة) وكأنها في عالم آخر. البحث عن مركز انتخابي هنا أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش. لا تجمعات ولا ماكينات انتخابية تتصارع على الأرض. هدوء في غالبية الأحياء، تقطعه أغان وطنية تصدح من مكبرات الصوت على باب المدرسة الرسمية المختلطة في فرن الشباك. هناك تتحكّم التكتلات العائلية في البوصلتين البلدية والاختيارية. لا منافسة بالمعنى الفعلي للكلمة، رغم انقسام الناخبين بين لائحتي «الإرادة الشعبية» و«حقك بالتغيير». الأولى برئاسة الرئيس الحالي للبلدية ريمون سمعان، والثانية برئاسة شارل أسعد أبو حرب، وتحالف «القوات اللبنانية ـــ التيار الوطني الحر». حتى مع الدعم الحزبي الذي يتلقاه أبو حرب، بدا المندوبون التابعون لسمعان واثقين من الفوز، إذ إن اللائحة لن يهزّها «مرشّح شارلي تاكسي»، شركة سيارات الأجرة التي يملكها أبو حرب. هؤلاء أكدوا أن «لا معركة متكافئة بين مرشّح يعرفه الناس وتؤيده غالبية العائلات التي تمثل 30 في المئة من أصوات الناخبين، ومرشّح لم يجد من ينزل على لائحته سوى أقاربه». في هذه المناطق يظهر أن الأهالي يريدون الإبقاء على القديم على أساس أن «اللي بتعرفو أحسن من يلي ما بتتعرّف عليه». وعلى ذمة بعضهم، فإن «لسمعان شواهد إنمائية تؤمن له الفوز في أي معركة في هذه المنطقة». أما خصوم سمعان، الذي فاز أمس، فيؤكدون أنه اكتفى بالخدمات الشخصية بلا أي جهد إنمائي.