عاد الحاج خليل حمدان إلى التدخين بعد أن تغلب على هذه العادة لسنوات إثر خضوعه لجراحة القلب المفتوح. "الانتخابات البلدية بتعمل Stress"، يقول عضو هيئة الرئاسة في حركة أمل المكلف الإشراف على الانتخابات في بلدات قضاء الزهراني. أمس، في مكتبه المؤقت في "مجمع نبيه بري الثقافي" في المصيلح، كان يروح ويجيء، مجرياً عشرات الاتصالات ومستقبلاً عشرات الزوار قبيل ساعات من إقفال مهلة سحب الترشيحات للانتخابات البلدية. عند بدء التحضيرات، وضع نصب عينيه إنتاج بلديات تزكية في المنطقة. لكن قواعد "أمل" غلبت. يقر بوحود "طوشة" غير مسبوقة في الدورة الحالية تفوق الدورات السابقة، والسبب "التغيير". أسباب عدة زكّت حماسة أبناء العائلات والأحزاب للترشح. مع ذلك، "الحراك عادي جداً ولا شيء يفوق المتوقع في الانتخابات البلدية حيث يحضر إثبات الحضور العائلي وبعض المثقفين الذين يتطلعون إلى تطوير العمل البلدي".
التوافق ضبط سقف الصراعات العائلية التي ألبست طابعاً سياسياً

تلك "الطوشة" الغالبة على معظم البلدات، كانت لتكون أسوأ بغياب اتفاق الثنائي الشيعي على تقاسم المحاصصة في البلديات. "التوافق ضبط سقف الصراعات العائلية التي ألبست طابعاً سياسياً، إما كحركة أو كحزب". يرى حمدان أن تقسيم المجلس البلدي وفق حصة الحزب والحركة "رفع الإحراج عن العائلات التي كانت مضطرة إلى أن تفرض نفسها ووجودها. فإذا ما انهزمت في الانتخابات، اعتبرت أن كرامة العائلة أهدرت". أما الآن، فإذا فازت أو خسرت "تلحق النتيجة بلائحة الحركة والحزب وليس بها كعائلة".
تلك الإيجابية التي يسوقها حمدان للتوافق، تقابلها شكاوى كثيرة، منها تمثيل العائلات ومعايير اختيار المرشحين. يؤكد وجود مراعاة للعائلات. "نستشيرها ونقف على رأيها، لكن في النهاية هناك رئيس واحد للبلدية وعدد أعضاء محدود والخيارات ليست متاحة بشكل واسع". يلمس يومياً "ترددات الاتفاق داخل العائلات التي تعتبر أنها لم تنصف". يعطي مثالاً، بلدية الزرارية. تنافست أكبر عائلاتها، زرقط ومروّة، على انتزاع منصب رئيس البلدية. "تجنباً للإحراج مع إحدى العائلتين، اخترنا التجديد لرئيس البلدية الحالي عدنان جزيني، على أن نرضي العائلتين بعدد مناسب من الأعضاء". ماذا عن الاعتراضات على تجربة جزيني نفسه؟. "لا يوجد إجماع على أي شخص مئة في المئة. لكننا أجرينا استطلاع رأي ووجدنا أن إيجابياته أكثر، وهو ما يسري على البلدات الأخرى" بحسب حمدان. يستطرد قائلاً: "ماذا لو لم نختر جزيني؟. ألم يكن التشظي بين العائلات أكبر؟".
من يعترض على جزيني وسواه من المرشحين، يعترض أيضاً على من يختارون المرشحين في الأساس. يوضح حمدان آلية العمل الانتخابي التي تنتج اللوائح. "تبدأ التراتبية من القيادة المركزية في بيروت إلى اللجنة الانتخابية في كل بلدة يعين عليها رئيس حركي من البلدة ذاتها وتتألف من مسؤولين محليين في الشعبة معينين منذ سنوات وليسوا طارئين في أماكنهم أو عينوا بوجه طرف دون الآخر، كما يتردد في بعض البلدات"، يقول حمدان. وعن معيار اختيار الرئيس يقول: "يجب أن يقرأ الواقع بعين الحقيقة"، ثم يستدرك: "طبعاً لا يمكن تجريد الشخص من أهوائه بصورة كاملة".
يبدو أن الأهواء متمادية. باب مكتب حمدان وهاتفه مفتوحان على الدوام. كثير من فعاليات البلدات تتخطى اللجان وتتواصل مباشرة معه لوضع ملاحظاتها على اللجان نفسها وعلى المرشحين. "قبل إعلان اللائحة ندرس كل الخيارات ولا نفرضها، بل نجري عشرات الجلسات مع المخاتير والوجهاء، ولا نقطع تواصلنا مع أحد حتى نتوصل لنتيجة مرضية للكل". حركياً، توصل حمدان لمخرج مرضٍ في أنصارية التي احتدم فيها الصراع على الرئاسة بين أكبر عائلاتها الثلاث. التسوية قضت بترشيح علي الجرمقي من خارج العائلات. أما في الصرفند، فقد "راعينا الرفض الشعبي للتجديد لدورة رابعة لحسين جواد خليفة وأصررنا على رفض تسمية أي مرشح كان عضواً في البلديات السابقة".
لماذا جرت مراعاة إرادة التغيير في الصرفند وتجاهلها في بلدات أخرى؟. "توافر البديل المناسب والمرضي، خصوصاً بعد أن أعلن خليفة التزامه قرارنا".
"لست محرجاً بالإجابة عن أي سؤال" يؤكد حمدان لدى استعراضنا للمأزق الحركي في كثير من البلدات التي لم تقفل فيها اللوائح قبل أيام قليلة من الاستحقاق. "هذا الواقع وهؤلاء هم الناس". في السكسكية، بلدة رئيس الهيئة التنفيذية في الحركة محمد نصر الله، تتواصل المساعي لإنتاج اللائحة. "لا نستطيع أن نأخذ القرار بخمس دقائق، وأحياناً تتركب اللوائح معنا ليلة الانتخابات". لا ضير في التأخر بإعلان اللوائح. "التأخر يجب أن يقرأ إيجابياً لأننا نحتوي العائلات ونفكر بعلاقتنا بالناس بعد الانتخابات ولم نستنفد الفرصة للتوصل إلى الحل الأفضل". أما إصرار موسى ملحم على فرض المعركة في اللوبيا وعرقلة التزكية، فالسبب "حابب يترشح لأسباب ذاتية".
يتوقع حمدان حدوث خروقات بلوائح التنمية والوفاء "لكن ليس انقلاباً على المجلس البلدي". يقر بوجود شخصيات استقطابية لعائلاتها وللأهالي إما تحمل كفاءة علمية أو مادية "لم تنضم للوائح إما لأن لا مكان لها أو لأنها هي اختارت الترشح خارج الإطار".
يسجل حمدان أسفه للدورة الخامسة منذ 1992 لأن "عقلية العمل البلدي لم تتطور". الناس "ماشيين على النغمة بأن البلدية رئيس فقط، أما الأعضاء فلا شيء، إما لا يهتمون أو يهمشون من قبل الرئيس. فعلى ماذا يتصارعون؟".