في انتخابات الجنوب، صوت الاعتراض بدأ يعلو ضد تحاصص البلديات. وقطعاً للعب على وتر المقاومة، أدخلت أمل وحزب الله الموالين والمعارضين تحت عباءتها. لكن الغطاء الأقدس، لم يخف تأثر المواطنين بالنظام الفاسد والمفسد الذي نقل العدوى إليهم، بالمال الانتخابي والاستعانة بالمغتربين

يدوّي صوت الرصاص والقذائف وتجوب مسيرات سيارة حاملة رايات حركة أمل في بلدات جنوبية، ابتهاجاً بنتائج الانتخابات البلدية.


الثابت أن المحتفلين يدورون في فلك الحركة، لكن لم يكن واضحاً أي أمل قد فازت! عملية تشكيل اللوائح ونتائج الانتخابات فرضت مصطلحات جديدة: «أمل الرسمية» و«أمل المعارضة». أمل الأولى، يفترض أن تمثل شعبة الحركة المحلية وقيادة المنطقة، وصولاً إلى قيادات الصف الأول المشرفين على الملف. أما أمل الثانية، فمن المفترض أن تجمع الحركيين المتضررين من التشكيلة لأسباب مختلفة.

وفق هذا التصنيف، فازت لائحة أمل المعارضة في حارة صيدا، أكثر البلدات المعروفة بانتمائها المتين إلى المصيلح، برئاسة رئيس البلدية سميح الزين الذي استبعدته «أمل الرسمية» عن تشكيلة المجلس الحالي. الزين، الذي كان منزله محطة ثابتة في زيارات الرئيس نبيه بري للجنوب، أهدى الفوز إلى «حامل الأمانة». في الخرايب تكرر المشهد. خسرت اللائحة الرسمية برئاسة رئيس البلدية، والرمز الحركي حاتم عكوش أمام لائحة «الوفاء للإمام الصدر» برئاسة زميله حسان الدر. وفي البيسارية، «حارسة المصيلح» على ساحل الزهراني، خسرت اللائحة الرسمية أيضاً. المفارقة هنا، أن التشطيب الذي طاول أعضاء اللائحة الـ 15، لحق بحصّة حزب الله. التشكيلة الجديدة للبلدية: 13 حركياً معارضاً وعضوان من الحزب، استكملا مقاعد لائحة المعارضة غير المكتملة. والمعارضون صدر أخيراً قرار بحق المنظمين منهم، بالطرد بسبب مخالفتهم لقرار القيادة. علماً بأن القوى الخضراء الرافضة فرضت قرارها في انتخابات 2010، فأجبرتهم القيادة حينها على تقديم استقالاتهم وحل البلدية قبل أن تطردهم وتعيدهم بعد أشهر. بلدات أخرى قدمت نموذجاً آخر. طورا (صور) التي أطاحت كلياً التشكيلة الرسمية في 2010 برئاسة رئيس البلدية الحركي أبو جهاد دهيني، لم تستطع الأحد إلا أن تخرقها بمقعدين. مثلها عائلات قعقعية الصنوبر (الزهراني) التي هزمت لائحة التوافق حينها، لم تخرقها إلا بثلاثة من تسعة، من بينهم رئيس البلدية قاسم صالح. أما عائلات المنصوري (صور) التي تصدت للتشكيلة الرسمية بمساعدة مغتربي أفريقيا، فخرقتها بأربعة من 12. شعبة الحركة في كفرصير، لم تكتف بالاعتراض على تشكيلة القيادة، بل طيّرت الانتخابات برمتها. كانت الشعبة قد وضعت لائحة مع حزب الله والشيوعيين، إلا أن عبد العزيز سبيتي شكل لائحة أخرى بدعم من الرئيس بري. الاعتراض على الأخير، وصل إلى حد إشعال الإطارات في الطرقات، والتوافق بين القوى المحلية على مقاطعة الانتخابات.

الرئيس بري الذي وعدت قاعدته بأن يأتي إلى المصيلح كما كان يفعل في الدورات الماضية، لم يفعل. كل ذلك التشظي في البيت الداخلي لم يؤثر في قناعته بأن «أهلنا في الجنوب أكدوا انحيازهم ووفاءهم لخط التنمية والمقاومة، وتسجيلهم أعلى نسبة للانتخابات، ولا سيما في منطقة الزهراني». رفض رئيس المجلس النيابي «كل اشكال الاحتكار السياسي وسياسة إغلاق الأبواب بوجه الآخرين».

في الدورة الحالية فازت 43 بلدية بالتزكية في الجنوب والنبطية، لمصلحة لوائح التوافق. أما في الدورة الماضية، فقد فازت 35 بلدية في محافظة النبطية و24 بلدية في قضاء صور. اللافت، ليس تراجع نسب التزكية فحسب، بل تسجيلها أخيراً في بلدات شهدت سابقاً خلافات محتدمة أدت في بعضها إلى الحل، مثل مجدل زون (صور) المحسوبة على حزب الله.

أسلحة النكايات والخلافات الشخصية التي استخدمها الحركيون ضد بعضهم، اختلفت عن أسلحة الحزب الشيوعي والمستقلين. في القليلة (صور)، خرقت لائحة العائلات المدعومة من الحزب السوري القومي الاجتماعي لائحة التوافق برئاسة أمل، بستة أعضاء من أصل 15. المرشحون الشيوعيون «رووا السنديانة الحمراء» في كثير من البلدات بعد استبعاد طويل في الزهراني وصور وبنت جبيل والنبطية ومرجعيون وحاصبيا. في كل من أنصارية وعدلون، خرق الشيوعيون لائحة التوافق البلدي بأربعة، وفي كفررمان خرق بثلاثة وفاز مرشحه جاد ضاهر، أصغر مختار في لبنان. أما في صريفا، فخرقت لائحة الشيوعيين والقوميين والمستقلين لائحة التوافق بسبعة من أصل 15. في كل من دير الزهراني والبابلية، اقتصر الخرق على مرشح واحد، وفي أنصار على اثنين. في بيانه، اعتبر الحزب الشيوعي أنه «رغم عدم التكافؤ الكبير في الإنفاق الانتخابي الذي بلغ ملايين الدولارات عند مختلف لوائح أحزاب السلطة، والتحريض والتعبئة والنقل من المناطق البعيدة، ورغم تواضع الإمكانات، استطاع الرفاق والأصدقاء والحلفاء تحقيق نتائج مذهلة أبرزت حماسة الناس للتغيير».

في حزب الله، بخلاف «أمل»، استطاعت تباينات قليلة أن تطفو على السطح، ما أسهم بخسارة مرشحيه في البيسارية، بسب تقديم بعض العناصر خصوصياتهم العائلية والاجتماعية على قرار الحزب الرسمي. وفي النبطية، دعم مسؤول العمل البلدي في حزب الله مصطفى بدر الدين لائحة مستقلة في وجه اللائحة الصفراء. معظم الخروقات التي سجلها المعارضون، تحققت على حساب حصة «أمل». البعض تبادل الاتهامات بعدم التزام التوافق ودعم المرشحين المعارضين سراً. علماً، بأن التوافق سقط في بلدات منها زبقين والكفور وكفرحونة، حيث شكل كل من الحزب والحركة لائحة مستقلة (فازت لوائح حزب الله).

في مؤتمره الصحافي في النبطية أمس، لم يخض رئيس اللجنة الانتخابية في الجنوب الشيخ نبيل قاووق في تلك التفاصيل. تحدث عن «قاعدة تفاهم صلب وثابت وراسخ بين حزب الله وحركة أمل، عمّم مناخ التوافق وعزّز روح التعاون وقدم صورة حضارية نموذجية رائدة وأرسى لوائح ائتلافية في 158 بلدية، فازت منها 43 بلدية بالتزكية وتُرك الخيار للعائلات في 13 بلدة». ولفت إلى أن تلك اللوائح «شملت أحزاباً وقوى سياسية وعوائل وفعاليات مختلفة ذات كفاءات ومهارات متنوعة». وعلى هدى بري، أكد قاووق أن التفاهم «لم يسع لإقصاء أو إلغاء أحد، وهذا ما أكده التنافس الحضاري بين اللوائح، الذي عكس غنىً وتنوعاً يدلّ على حيوية عالية ومساحة مفتوحة من الحرية لدى أهلنا في مختلف مدننا وقرانا حيث كانت لوائح الوفاء والتنمية واللوائح المقابلة في موقع التنافس لا الخصومة. والمقاومة المحفورة عميقاً في وجدان أهلنا كانت ثابتة في مختلف اللوائح».