هنا «الأسكلة» قديماً أو الميناء حديثاً، بوابة طرابلس إلى العالم. هي «أرض الفقراء والصيادين»، كما يصفها ابنها الشيخ ابراهيم صالح. هذه هي «الضيعة الحقيقية في طرابلس». في البدء كانت الميناء «قوة الصليبيين. استعادوها مرتين من المماليك الذين كانوا يتمركزون في البرّ». سبعة أبراج بناها هؤلاء لتحذير الناس من الغزو الصليبي. من ضلعها، بُنيت أول بنية إجتماعية طرابلسية «بعدما فكك الأشرف قلاوون المينا مُجبراً الأهالي على الإنتقال إلى طرابلس، حيث كانت الأرض مليئة ببساتين الليمون والزيتون». وحيدةً بقيت الميناء، إلى أن أعاد إليها العثمانيون الإعتبار.
منذ الستينات حتى اليوم لم يسبق أن فازت لائحة واحدة بكامل أعضائها

الميناء تستعد أيضاً للإنتخابات البلدية يوم غد. غياب الركاب عن مراكب الرحلات البحرية عوضته صور المرشحين الكثيرة. 40 ألف ناخب مُسجلين على لوائح الشطب في الميناء، لا يصل عدد المقترعين منهم إلى النصف. المجلس البلدي يتألف من 21 عضواً، عادة ما تُقسم بين 7 للمسيحيين و14 للمسلمين. إلا أنّ هذا العُرف نادراً ما يُؤخذ بعين الإعتبار، فيُنتخب 5 مسيحيين. تتنافس في الميناء ثلاث لوائح ومرشح منفرد مدعوم من حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» هو منير دوماني. اللائحة الأولى توافقية برئاسة عبد القادر علم الدين. اللائحة الثانية تدّعي أنها ممثلة «المجتمع المدني» المدعومة من وزير العدل أشرف ريفي، يرأسها يحيى غازي وهي كانت نتيجة توحد ثلاث لوائح. أما اللائحة الثالثة فهي برئاسة عبد الرحمن لبدة، المدعومة من التيار الوطني الحر.
للإنتخابات في الميناء وجهٌ آخر يختلف عن انتخابات مدينة طرابلس. الأحباش والجماعة الإسلامية غير متفقين. داخل تيار المردة كان هناك تياران، قبل أن يتوحدا. أما الرئيس نجيب ميقاتي فـ«لا يخوضها من منطلق سياسي رغم أنه يدعم بشكل مطلق لائحة علم الدين»، إستناداً إلى مصادر سياسية في المدينة. الثابت شبه الوحيد، هو خروج التيار الوطني الحر عن "الإجماع المسيحي" من خلال الإصرار على خوض المعركة بعيداً عن «التوافق». بالنسبة إلى «التيار»، هذه هي «المرة الأولى التي نخوض فيها الإنتخابات بعيداً عن المردة ولكن واضح من هو الأقوى». تلوم مصادره اللائحة التوافقية التي «فضلت مرشح (النائب) محمد كبارة».
انتخابات الميناء مُعقدة، وتتداخل فيها عوامل عدّة، أبرزها العائلي. كما أن نسبة الإقتراع المتدنية، تسحب من تحتها البساط السياسي «وإن كانت المعركة هنا امتداداً لزعامة نجيب ميقاتي، وخاصة أنه يتخذها مقراً له». منذ الستينات وحتى اليوم لم يسبق أن فازت لائحة واحدة بكامل أعضائها، فلكل شخص حسابات تدفعه إلى التشطيب. إلا أن ذلك لن يمنع ريفي من الإدعاء اذا تمكّنتع لائحته من خرق اللائحة التوافقية أنه يملك أرضية تُعطي مشروعية لمشروعه السياسي.
تتوزع القوى المسيحية في الميناء بين النائب روبير فاضل الذي استفاد من الحيثية التي بناها والده الرحل النائب موريس فاضل، تيار المردة حيث هناك شعبية لحالة النائب سليمان فرنجية، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب. إضافة إلى هؤلاء، يُعد حزب الطاشناق، الممثل على اللائحة التوافقية، من «البلوكات» المهمة «فنحن نُصوت ما بين الـ300 و350 لائحة مكتملة من بينهم 125 مقترعا يأتون من العاصمة»، إستناداً إلى رئيس حزب الطاشناق في طرابلس فاتشيه هارمنديان. يُخبر كيف «عملنا مع كل النواب من أجل التوافق. من الواضح أن هناك حرصا إسلاميا على الحفاظ على التمثيل المسيحي».
لهذا السبب، تُتهم اللائحة المدعومة من ريفي بأنها لم تلحظ سوى وجود ثلاثة مقاعد للمسيحيين. يقول أحد «الراغبين» بمنصب الرئيس فيها عامر حداد انّ هذه لائحة «المجتمع المدني ونتيجة دمج ثلاث لوائح. لو لم يكن هناك لائحة ثالثة لكنا ربحنا 21-0 ولكن يبدو أن لائحة السلطة يهمهما تعدد اللوائح». يقول إنهم كانوا بحاجة إلى غطاء «لذلك توجهنا إلى ريفي الذي لم يتدخل بأي إسم. وقعنا معه ورقة من ثلاثة بنود: نؤجل البحث باسم الرئيس. نوزع الحصص فيما بيننا، ويكون هناك رئيسّ للّائحة يتولى تمويلها، اتفق على أن يكون يحيى غازي». مشروعه إقامة «المينا باي على مساحة 20 ألف متر وبكلفة 10 ملايين دولار على غرار الزيتونة باي من أجل تنشيط السياحة». مُنافسه علم الدين يُفكر أيضاً في السياحة: «لدي مشاريع مثل تفعيل الواجهة البحرية وتنشيط الزيارات إلى الجزر». يُصر على أنه يخوض إنتخابات إنمائية، «ومع احترامي للسياسيين حين أصل إلى المجلس لا أعمل سياسيا».
مصادر سياسية في المدينة تتحدث عن أن ميقاتي طرح 15 إسماً مسيحياً، اختارت من بينهم القوى 7. الوحيد الذي اختير من خارج الـ15 هو هاني مبيض، مُرشح كبارة. يؤمن تيار المردة أنه القوي الأكبر بين مسيحيي طرابلس بسبب «حالة» فرنجية. يشرح المسؤول في طرابلس رَفلي دياب أنهم يدعمون لائحة التوافق «لأنها توجهات البيك. المجلس البلدي إنمائي والتوافق يحمي الوجود المسيحي». «المسيحيون» يريدون تدعيم «سورهم» البلدي. إلا أن شرذمتهم تضعهم في مواجهة أنفسهم. تقول المصادر إنه إن «شُطّب المسيحيون فلن يكون بسبب انقلاب الناخبين المسلمين عليهم، بل بسبب سياستهم المجحفة بحق أنفسهم».