على جاري عادتها، أخذت الانتخابات البلدية والاختيارية في الضنية طابعاً عائلياً كما هو شأن الانتخابات المحلية في أي منطقة طرفية ذات طابع ريفي. لكن ذلك لم يحل دون أن تحضر السياسة، بقوة هذه المرة، أداءً وخطاباً وماكينات انتخابية، خصوصاً في البلدات الكبيرة التي يشكل الاستحقاق فيها فرصة سانحة لتحديد الأحجام السياسية، ولجس النبض الشعبي قبل الانتخابات النيابية المرتقبة العام المقبل.في بلدة سير، المركز الإداري للقضاء، الانتخابات البلدية "لا تقبل القسمة على اثنين"، على حدّ تعبير كثيرين يعتبرون أن "نتائج الانتخابات إما أن تسفر عن فوز الحاج أحمد علم (رئيس البلدية الحالي)، أو (النائب) الدكتور أحمد فتفت".
والتنافس بين الرجلين ليس جديداً. ففي انتخابات 2010 ألحق علم بنائب البلدة هزيمة ساحقة عندما فازت لائحته بكامل أعضائها. لذلك، كان محور انتخابات البلدة أمس: هل يحافظ علم على نجاحه، أم يتمكن فتفت من استرداد بعض هيبته المفقودة، وبالتالي هيبة تيار المستقبل التي تآكلت في السنوات الأخيرة؟ لذلك، نزل كل طرف بثقله، فعمد فتفت إلى استمالة عائلات لم تكن إلى جانبه، مثل عائلة درباس التي دعم أحد أعضائها عارف درباس لرئاسة البلدية، وكذلك آل هوشر وسواهم، فيما استمال علم جزءاً من عائلة فتفت، إضافة إلى تعويله على اقتراع المقيمين خارج البلدة، وكذلك اقتراع المسيحيين.
في بلدة بخعون، تنافست لائحة مدعومة من النائب قاسم عبد العزيز وتيار المستقبل وأخرى مدعومة من النائب السابق جهاد الصمد وتحالف العائلات. ومع استقدام أعداد كبيرة من المغتربين من دول الخليج، وصلت نسبة الاقتراع عند الواحدة ظهراً الى أكثر من 35 في المئة، وهي نسبة لافتة لم تشهدها البلدة الأكبر في الضنية سابقاً، علماً أنها اعتادت أن تشهد عمليات الاقتراع ذروتها في ساعات ما بعد الظهر، وسط حديث واسع عن رشى ودفع أموال يقوم بها مناصرون للائحة المستقبل.
وسبّبت هذه الاندفاعة على صناديق الاقتراع ازدحاماً كبيراً، ووقوع إشكالين في قلمي اقتراع، ما أدى إلى توقف عملية الاقتراع فيهما لبعض الوقت.
وإذ قال النائب عبد العزيز إن "الأجواء ديموقراطية والمنافسة بين المرشحين على اللائحتين إنمائية"، أكد الصمد أن "محاولة البعض إلباس الانتخابات البلدية في بخعون لبوساً سياسياً هو دليل ضعف"، وأن البلدة "يوجد فيها توافق عائلي، ولا يمكن فرزها سياسياً، لأن العائلات لا تتأثر بذلك".
وفي بلدة السفيرة في جرد الضنية، كانت الانتخابات تتخذ أيضاً طابعاً مختلطاً من التنافس العائلي والسياسي معاً، إذ دعم النائب السابق أسعد هرموش لائحة مكونة من تحالف الجماعة الإسلامية التي يرأس مكتبها السياسي وتيار المستقبل، في مواجهة لائحة من تحالف العائلات.
وإذ بدا أن هرموش يحاول أن يقطف تحالف الجماعة والتيار في بلدته بهدف تعزيز وضعه في الضنية قبيل الانتخابات النيابية المقبلة، بعد أن وجد أن الفرصة سانحة له لتحقيق هذا الهدف، فإن منافسيه كانوا يرون أن ما ينسحب على تحالف الجماعة مع التيار في بيروت وصيدا وإقليم الخروب وطرابلس، لا يمكن أن ينسحب على السفيرة التي يتقدم الانتماء العائلي لدى ناخبيها على الاعتبارات الأخرى، خصوصاً في الانتخابات البلدية.
وشهدت بلدة حقل العزيمة منافسة محتدمة بين لائحة رئيس البلدية الحالي بهاء بيطار المدعومة من تحالف عائلات البلدة وتيار المردة وتيار المستقبل، في مواجهة لائحة أخرى برئاسة سعد غاضية مدعومة من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وعائلات أخرى في البلدة، ما يعكس صراعاً عائلياً ليس خافياً في البلدة التي تمتاز أيضاً بالتنوّع الطائفي بين سكانها المسيحيين (نحو 75 في المئة) والمسلمين (25 في المئة).
وفي بلدة حقل العزيمة كانت الانتخابات البلدية فرصة لإنهاء سيطرة القوات اللبنانية على المجلس البلدي السابق، بعد عدم رضى ساد أهالي البلدة من تأثير مكتب القوات في البلدة على قرار البلدية، حيث شكلت لائحة من تحالف العائلات مقابل لائحة غير مكتملة، ما دفع مصدراً مسؤولاً في مكتب القوات في البلدة إلى التوضيح أن قيادة حزبه "قد اتخذت قراراً بعدم ترشيح حزبيين للانتخابات في البلدة، ودعمها أي توافق تتوصل إليه العائلات".
في موازاة ذلك، بينما كانت بلدات الضنية تخوض انتخابات تنافسية سادتها انقسامات عائلية وسياسية حادة، كانت ثلاث بلدات تنعم بالتوافق الذي جعلها تفوز بالتزكية، هي الحازمية، مراح السراج وبيت الفقس، والأخيرة احتفلت بالتوافق على طريقتها، عندما أقام أهلها وليمة "هريسة" (قمح مطبوخ باللحم) في شوارع البلدة، شارك فيها أبناء البلدة وسط أجواء ارتياح بالغ.