مقالات مرتبطة
هذا هو واقع المعاهدات والاتفاقات الدولية التي لا تسري ولا تنال درجة النفاذ إلا بعد التصديق عليها ونشرها أصولاً (يراجع على سبيل المثال: قرار مجلس شورى الدولة رقم 838 تاريخ 9/11/1962، المحامي فؤاد الهراوي/ الدولة ــ م. إ. 1962 ص231).
فإذا كان هذا حكم المعاهدة، فكيف الحال بقانون أجنبي أقرّته سلطة تشريع غير لبنانية ولم ينشر في جريدة لبنان الرسمية، فكيف استطاع حاكم مصرف لبنان أن يجعل من هذا القانون الأجنبي جزءاً من التشريع اللبناني؟
حاولتُ البحث عن مبدأ يجيزُ لسلطاتٍ وطنية أن تطبّق مباشرةً قانوناً أجنبياً، فلم أعثر عليه إلا في المستعمرات. فحاكم المستعمرة يصدر تعميماً بتنفيذ قانون أجنبي، ولكن في دولة ذات سيادة هل يمكن حاكمَ مصرف لبنان أن يقرر بمفرده وبمعزلٍ عن سلطات التشريع تحديد أصول التعامل مع القانون الأميركي تاريخ 18/12/2015 وأنظمته التطبيقية؟
في المبدأ، إن تطبيق قانون أجنبي أو اتفاقية دولية عامة يحتاج إلى موافقة وإقرار مجلس النواب عملاً بقاعدة السيادة المشار إليها أعلاه، أو بتفويضٍ من المجلس على أقل تقدير. وحيث إن مصرف لبنان بموجب القرار رقم 12253 تاريخ 3/5/2016 قد وضع أسس التعامل مع قانون أجنبي (القانون الأميركي)، كان لا بدّ من البحث عن التفويض التشريعي لإصدار هذا القرار. ولكون الاختصاص يتعلّق بالنظام العام، فإن تدخّل مصرف لبنان عبر إصدار قرارٍ في شأنٍ من شؤون التشريع يوجب أن يكون هذا القرار مبنياً بصورة واضحة على تفويضٍ تشريعي.
لكن بالعودة إلى بناءات القرار، نجد أن مصرف لبنان لم يستشر مجلس شورى الدولة قبل إصداره، بالرغم من كون هذه الاستشارة إلزامية، وهذا ما يعيب القرار بعيبٍ جوهري يتمثل بتجاوز القضاء بالرغم من إلزامية استشارته. كذلك لم نعثر على التفويض التشريعي الذي نبحث عنه، فالمواد التي بنى عليها حاكم مصرف لبنان لقراره هي المواد: ٧٠ و١٧٤ و١٨٢ من قانون النقد والتسليف، والمواد 4 و6 و7 من قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رقم ٤٤ تاريخ 24/11/2015. وهذه المواد لا تتضمّن تفويضاً لمصرف لبنان من أجل اتخاذ هذا القرار، بل على العكس من ذلك، فإن القانون الأخير قد حصر بهيئة التحقيق الخاصة التجميد النهائي للحسابات المصرفية، ولهذا فالصلاحية هي لهذه الهيئة، إلا أن حاكم مصرف لبنان بموجب قراره قد أجاز للمصارف اللبنانية خلافاً للقانون إقفال حسابات أي مواطن لبناني دون الرجوع لأي جهة قضائية.
واليوم بعد قرار حاكم مصرف لبنان بإنفاذ قانون أجنبي مباشرة في المنظومة القانونية اللبنانية دون الرجوع إلى مجلس النواب، نسأل عن العائق أمام أي مؤسسة عامة لبنانية أخرى أن تقرر تطبيق قوانين أجنبية بموجب تعاميم يصدرها مديرها العام تحت ستار حماية المصالح الوطنية العليا.
* أستاذ القانون الإداري والدستوري في الجامعة اللبنانية