يختلف مشهد المتن الشمالي عن غالبية الأقضية، إذ للتيار الوطني الحر نفوذ قوي فيه يجعله مسيطراً على غالبية المقاعد النيابية، فضلاً عن أن القضاء ملوّن بطوائف عدة. وعليه، يطرح نظام النسبية الفردية إشكاليات عدة، خصوصاً أن المقترع الحزبيّ أمام مجموعة مرشحين من مختلف الطوائف، غير أن حقه محصور للمرة الأولى بانتخاب مرشح واحد من دون مراعاة قيده الطائفي.ولأن انتخابات المرشحين النيابيين تعقب الانتخابات البلدية، سيكون الاستحقاق استكمالاً للمسار البلدي، أي بمعنى آخر لا يمكن الفصل بين المجموعات التي أفرزتها البلديات بما فيها انقسام القاعدة على حالها، وبين كيفية توزيع الاصوات في الشهر الجاري. ففعلياً المقترعون الحزبيون ليسوا الا الهيئات المحلية وأعضاءها. لذلك ستقترع هذه الهيئات لمصلحة الذي يعبّر عنها وسار معها بخط واحد خلال الانتخابات البلدية. واليوم تحظى بفرصة ردّ الجميل الى من وقف معها ودعمها في معركتها.
في المتن الشمالي 4 مقاعد للطائفة المارونية يشغلها اليوم 3 من نواب التيار إبراهيم كنعان ونبيل نقولا وسليم سلهب (المقعد الرابع من حصة حزب الكتائب)، ومقعدان لطائفة الروم الأرثوذكس، يشغل أحدهما النائب العوني غسان مخيبر، وهو لا يحمل بطاقة حزبية (المقعد الثاني من حصة النائب ميشال المر)، ومقعد كاثوليكي فاز فيه النائب إدغار معلوف، وهو ملتزم في التيار لكنه أعلن سابقاً عزوفه عن الترشح لولاية أخرى. أما المقعد الثامن، فلحزب الطاشناق. ووفقاً للآلية المعتمدة في النظام الحزبي، ستتمّ غربلة مرشحين، إن وجدوا، لاختيار 6 مرشحين موارنة على قاعدة نسبة 1.5 من المقاعد، و3 أرثوذكس واثنين كاثوليك. لكن يصعب حتى الساعة الوقوع على هذا العدد من المرشحين لكل طائفة: في ما خص الموارنة المرشحين المفترضين، فهم النائبان إبراهيم كنعان ونبيل نقولا والمرشحان وليد بو سليمان وإبراهيم الملاح ومنسق القضاء السابق طانيوس حبيقة، في حين لا يزال ترشح ابنة النائب ميشال عون، ميراي، غير محسوم بعد. وبالنسبة إلى الأرثوذكس، لا مرشحين أبداً؛ فالوزير الأرثوذكسي الياس بو صعب لن يخوض المرحلة الأولى من الانتخاب، بعد صدور استثناء بحقه يخوّل الوزير الذي لم تمر سنتان على عضويته الحزبية القفز فوق الاستفتاء الداخلي الى الاستفتاء الشعبي مباشرة، فيما للكاثوليك مرشحان، ابن أخ النائب الحالي إدغار معلوف، ادي معلوف، والدكتور شارل جزرا.
ستشارك ميراي عون النائب نبيل نقولا حصته الأكبر من قالب الجبنة

يضم قضاء المتن الشمالي نحو 1900 منتسب الى التيار الوطني الحر، واذا ما أردنا احتساب الحاصل الانتخابي الذي يفترض بالمرشح أن يجمعه لاجتياز المرحلة الأولى (وفقاً للمرشحين المطروحة أسماؤهم حتى الساعة) ستكون النتيجة كالآتي: 1900 بطاقة مقسومة على مجموع المقاعد السبعة (المقاعد الثمانية من دون المقعد الأرمني) = 271، أي يكفي كل مرشح الحصول على 90 صوتاً (ثلث 271) للفوز.
يزن ساحل المتن الشمالي نحو 1000 صوت، وقد تكون أصوات المقترعين فيه مرجّحة وحاسمة للمرشحين. فهيئات كلّ من الدكوانة (نحو 110 بطاقة) والجديدة البوشرية السد (نحو 160 بطاقة) وسن الفيل (نحو 97 بطاقة) وجلّ الديب (نحو 90 بطاقة) وانطلياس (نحو 90 بطاقة) وضبيه (نحو 102 بطاقة) متجانسة ومتوافقة، وبالتالي ستحسم آلية توزيع أصواتها بسهولة تامة. تضاف اليها بطاقات بسكنتا في الجرد الأعلى التي تتجاوز 130 بطاقة، وبيت شباب في الوسط بنحو 90 بطاقة. مبدئياً، علاقة هذه الهيئات ومحازبيها بالنائب إبراهيم كنعان جيدة، ما يمنحه أرجحية فيها، رغم أن تجربة الانتخابات البلدية بين كنعان وهيئات بعض هذه البلدات لم تكن على هوى النائب المتني. يبقى أن من الممكن أن يؤثر ترشح ميراي عون ــ إذا حصل ــ بشكل نسبي على هذه الهيئات، فيذهب البعض منها الى دعمها. وفيما ستخطف عون أصوات قليلة من رصيد كنعان، ستشارك النائب نبيل نقولا حصته الأكبر من قالب الجبنة. ولنقولا أربع عقبات متنية: أولاها ترشح عون، ثانيتها اختياره معاداة هيئة بلدته في الانتخابات البلدية ومناصرته النائب ميشال المر على أبناء تياره. لذلك يتوقع أن تعاقبه الهيئة المحلية والهيئات الصديقة لها على هذا الخيار. ثالثتها، الحديث عن تمرّده على قرار الرابية بلدياً ومجاهرته بهذا التمرد بعد انقضاء الانتخابات، الأمر الذي يفسر ترشح إبراهيم الملاح، المنافس الرئيسي له على مقعده، على اعتبار أن مسقط رأس الملاح هو نفسه مسقط رأس نقولا: جل الديب. رابعتها أن ترشح طانيوس حبيقة سيأخذ حتماً عدداً لا يستهان به من أصوات نقولا، خصوصاً في الدكوانة وبيت شباب وبسكنتا. على المقلب الآخر، لدى المرشح وليد بو سليمان فرصة ذهبية اليوم لنيل ترشيح التيار، بعد نجاحه في تثبيت أعمدته إعلامياً وعملياً.
أما كاثوليكياً، فيتنافس اثنان، أوّلهما الطبيب شارل جزرا الذي يحظى بشعبية واسعة لخدماته شبه المجانية، وثانيهما ادي معلوف، ابن أخ النائب الحالي إدغار معلوف وأحد المديرين في كازينو لبنان. ما يمتاز به الثاني عن الأول هو دعم رئيس التيار جبران باسيل ومن يحيط به لمعلوف. لذلك ربما يتفوق عليه في الميزان الحزبي، ولكن جزرا يبدو متقدماً في الميزان الشعبي في المرحلة الثانية.
فعلياً، القاعدة الحزبية المتنية اليوم أمام اختبار كبير، إذ سيحسم البرتقاليون هوية مرشحيهم: المرشحون الذين يقتصر دورهم على ملء طاولات عشاء التيار والتبرع له، أم المرشحون الجديّون الذين سبق لهم أن ساندوا القاعدة في مختلف الاستحقاقات؟